أقلام حرة
أكرم عثمان: الصلابة النفسية أساس بناء جيل قادر على مواجهة التحديات

تخيلوا معي، في خضم ما نعيشه ونشاهده من حروب وفتن وتحديات جسام، وما يترتب عليها من مآلات خطيرة، فمن خلال العامين الماضيين وما يجري في غزة من قتل وتشريد وفناء كل ما يملكه المرء من ممتلكات وتعب العمر الذي يتبدد في لحظات قاسية، ندرك حجم الألم الذي يعيشه الناس يومياً. وفي ظل ما يشهده عالمنا المعاصر من تحولات متسارعة وصعوبات متزايدة، نجد أنفسنا في أمس الحاجة إلى تدريب الجيل الصاعد والشباب الواعد على تنمية الصلابة النفسية وقوة الشخصية.
جيل اليوم، رغم امتلاكه أدوات المعرفة والتكنولوجيا، يعاني في كثير من الأحيان من هشاشة نفسية وضعف في الخبرات وقلة في الممارسات الفضلى التي تمكنه من مواجهة تقلبات الحياة وصعوباتها. وقد ورد في مسند الإمام أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم، لما بعث معاذ بن جبل، قال له: «إيّاك والتنعم، فإن عباد الله ليسوا بالمتنعمين»، وصححه الألباني.
إن الحديث عن المحن والمصائب لا يوازي شيئاً مما يعانيه الناس عملياً وواقعياً من ظلم وقسوة، وفقدان الأمن، وضياع الحياة الكريمة التي ينشدونها. فالصعوبات التي نمر بها، سواء على المستوى الفردي أو المجتمعي، ليست عائقاً بقدر ما هي فرصة للتعلم والنمو والتطور، وتحسين الأداء، وتغيير الحال إلى الأفضل. وبدلاً من الاستسلام لمشاعر الضعف أو المزاجية المتقلبة أو الكآبة، نحن بحاجة إلى استدعاء قوتنا الداخلية وصمودنا، وإعمار حياتنا بكل ما هو نافع ومفيد.
إن مواجهة الحياة بتحدياتها تستلزم مراساً وانضباطاً وتوازناً نفسياً يجعل الإنسان راسخاً كالجبل، صلباً عصياً على الكسر أو الهوان. نحن بحاجة إلى جيل لا ينهزم عند أول محطة ولا يرفع الراية البيضاء بسهولة عند أول تحد، بل يتعلم من التجارب ويزداد صلابة كلما تعاظمت المسؤوليات واشتدت الابتلاءات وقست الظروف.
وهنا تبرز أهمية تربية النفس على الصبر والجلد، والتمسك بالمبادئ والقيم الرفيعة التي تمثل البوصلة الحقيقية للإنسان. فالأخلاق والقيم النبيلة هي السياج الحامي للفرد والمجتمع من الانزلاق وراء الأهواء والضعف أو استغلال الظروف القاهرة لمصلحة ذاتية ضيقة، وهي في الوقت نفسه مصدر قوة في مواجهة ضغوط العصر ومغرياته.
وللأسف، في زمن الفتن والحروب، تغلب الأنانية وحب الذات والنزعة الفردية على روح الجماعة والإيثار والتضحية. وبدلاً من أن يسود شعار«اللهم نفسي ومن بعدي الطوفان» في غياب الشعور بالآخرين ودعمهم، ينبغي أن يتجذر شعار آخر: «نحن معاً، نواجه التحدي ونصمد بقوة وصلابة في زمن الفتن والمحن».
من هنا، يصبح الاستثمار في صقل قيم الجيل الجديد أولوية لا تحتمل التأجيل. فبناء شخصية متوازنة وراسخة، تجمع بين الصلابة النفسية ورقيّ التعامل وأخلاقيات الحياة، هو الضمان الحقيقي لمستقبل أكثر استقراراً وإنسانية، ولمجتمع قادر على مواجهة قسوة الحياة وإدارة الظروف واستثمار الطاقات، والخروج من الأزمات بأقل الخسائر، مع المحافظة على حياة الناس واحترام حقوقهم ومتطلبات عيشهم الكريم.
***
د. أكرم عثمان
9-10-2025