أقلام حرة

نور خالد: معرض الكتاب وهواجس القرّاء

الكتاب عالم يحتوينا بتفاصيله الصغيرة؛ فحروف كلماته تخلق في داخلنا صدى حين نلمسها. للكلمة صوت خاص ينبغي أن يُسمع، ولكل صفحة بصمتها المميزة. هذا السحر هو ما يجعل القرّاء ينتظرون معرض الكتاب بشغف، حيث تتاح لهم الفرصة ليكونوا جزءًا من عوالم فكرية وثقافية تعكس بُعدًا اجتماعيًا لسيمفونية معرفية.

لكن وسط هذا الإقبال الكبير، تُطرح تساؤلات: هل يعكس هذا الحضور وعيًا ثقافيًا حقيقيًا، أم أنه مجرد رغبة في اقتناء الكتب أو المشاركة في طقس اجتماعي؟ وهل يُعَدّ المعرض متنفسًا ثقافيًا وفرصة للتلاقح والحوار الفكري بين شرائح المجتمع المختلفة؟

لقد تنوّعت توجهات الزوّار للمعرض، بما يجسّد ما يسميه عالم الاجتماع "بورديو" بـ "رأس المال الثقافي". فمنهم القارئ الجاد الباحث عن كتب تُثري معرفته العلمية، ومنهم الأكاديميون الذين يبحثون عن مراجع لدراساتهم، ومنهم عشاق الرواية والقصص بمختلف أنواعها، وآخرون جاءوا للاستمتاع بالفضاء الثقافي أو لالتقاط الصور. هذا التنوّع يسلّط الضوء على مسألة جوهرية تتمثل في أهمية القراءة الورقية، خصوصًا في ظل تنامي ثقافة الكتاب الإلكتروني؛ فالكتاب الورقي يظل وسيلة للتنشئة الثقافية وأداة للارتباط بالمعرفة بطريقة حسّية وعلمية، فيمنح القارئ تجربة فكرية متفرّدة.

والعراق، بوصفه بلد الحضارات ومنارة للعلم، يمثل معرض الكتاب فيه حدثًا ذا أهمية ثقافية واجتماعية كبيرة. فهو فرصة لتعزيز الثقافة والارتباط بالتاريخ المعرفي للبلاد، إلى جانب الانفتاح على المجتمعات الأخرى من خلال دور النشر والأمسيات الثقافية المتنوعة التي تعكس وعيًا جماهيريًا متزايدًا في المجتمع العراقي.

في الختام، يظل الكتاب الورقي رمزًا ومعنى في آن واحد. إن ارتباط الناس به يشير إلى أن القراءة ليست مجرد نشاط عابر، بل هي جزء من الهوية الثقافية، وفرصة لبناء وعي مستدام. وهكذا يصبح حضور معرض الكتاب أكثر من مجرد طقس سنوي؛ إنه مناسبة حقيقية لتعزيز الثقافة، ونشر الوعي القرائي، وتحفيز المجتمع على التواصل مع المعرفة بعمق وإدراك.

***

د. نور خالد

 

في المثقف اليوم