أقلام حرة
حسن شنكالي: اذا أسكنتم تاء التأنيث؟
على مر سنوات من التعليم والدراسة ونحن تلاميذ كالخامة البيضاء يكتب عليها الاستاذ ما يشاء إنطلاقاّ من المقولة الشائعة التعليم في الصخر كالنقش على الحجر، لهذا ولأسباب أخرى نجهلها كان أساتذة اللغة العربية يصرون على أن تاء التأنيث ساكنة وأحيانا لايجدون لها محلاّ من الإعراب، واحياناّ يعتبرونها حرفاّ زائداّ، متناسين ما لها من قيمة نحوية ولها قابلية تغيير الجملة من التذكير الى التأنيث، فهل كان استخفافاّ بالجنس الآخر أو إنتقاصاّ من قيمتهم بإعتبارهم ناقصات عقل ودين وهم يعدون نصف المجتمع لأنها خلقت من ضلع آدم كما يعاب عليهم بأنهم خلقوا من ضلع أعوج، لكن العشرة والحياة لاتحلو ولا تكتمل الاّ بهم، وكما يقول الشاعر فإن تاء التأنيث مدرسة إذا أعددتها أعددت جيلاّ طيب الأعراق، فماذا دهاكم أسكنمتوها وقيدتموها وكادت تصبح صفراّ على الشمال، هل لأنكم مجتمع ذكوري متعصب متناسين ما لها من حقوق وما عليها من واجبات، أم لكم غاية في نفس يعقوب قضاها ؟ حتى إستضعفتموها وكادت تتعرض لشتى أنواع العنف بحجج واهية .
ولكن بعد أن دخلت تاء التأنيث معترك الحياة وفكت قيدوها من الأسر الذي عاشته مئات السنين تحت رحمة السجانين وفي ظل القيود والأعراف والتقاليد الإجتماعية وإنطلاقها الى الفضاء الرحب من الديمقراطية بعد أن نالت قسطاّ من الحرية المقيدة خلال تحرير العراق من براثن الدكتاتورية المقيتة بعد أن تحملن شغف العيش والظلم على يد جلاوزة النظام البائد كتفاّ الى كتف مع أخيها الرجل، وبعد تشريع الدولة لقوانين تكفل حقوق تاء التأنيث بادرت الكثير منهن وإنخرطن متطوعات للدفاع عن حقوقهن المسلوبة في منظمات إنسانية ودولية بعد أن تدرجن في سلم التعليم ونافسن الرجل في أدق الإختصاصات الطبية والهندسية والإلكترونية والتعليمية لاسيما ونحن نعيش بعصر العولمة والتكنولوجيا الرقمية لتفتح الحياة العملية أبوابها على مصراعيها وتحتضنها للإستفادة من خبراتهن وتوظف خدماتهن للمصلحة العامة دون الإقتصار على الرجل فقط .
وبعد الحراك الشعبي الذي عم غالبية محافظات العراق بعد فشل الحكومات المتوالية على أداء دورها المناط بها، كان لتاء التأنيث دوراّ بارزاّ وفعالاّ في دعم ومساندة المتظاهرين السلميين في ساحات الإحتجاج بعد أن إنتفضت وشمرت عن سواعدها لتثبت لنفسها وللعالم أجمع بأنها ليست تلك التاء التي تعلمناها في المدرسة الإبتدائية ولم تسمح لنفسها ولا لغيرها أن تكون ساكنة كما أردتم لها لتحجيم دورها في المجتمع وتكون رقماّ هامشياّ يعد مع الأعداد فقط، لكنها رفعت صوتها ليكون مسموعاّ من قبل سياسي الصدفة الذين أحكموا قبضتهم على رقاب الشعب لسنوات خلت، لتبقى شامخة في سوح التظاهر وثائرة حرة ضد الطغمة الحاكمة التي عاثت في الأرض الفساد حيث كانت لها حصة الأسد من التهميش بعدم مشاركتها الفاعلة في العملية السياسية لعدم قناعتهم بطاقاتها وإمكانياتها وقدرتها على إدارة المؤسسة الإدارية، وستبقى تاء التأنيث حرة أبية تنادي بالتغييرالشامل لتأخذ مكانتها الطبيعية في المجتمع كما أرادت لنفسها وليس كما ارادوا لها أن تبقى ساكنة ولا محل لها من الإعراب .
***
حسن شنكالي