أقلام حرة
علي علي: مقياس ومقياس
يشهد المستقبل عادة أحداثا تكون على الأغلب مريبة، لاسيما حين يكون الحاضر مريبا هو الآخر، إذ لطالما تمخض الجبل فولد فأرا، ولطالما أتت الرياح بما لاتشتهي السفن، وقد قيل سابقا:
تطلك تريد تجيب حبله الليالي
جابت خبر ماجان يخطر ببالي
العراق على موعد مع انتخابات في مستقبله، وسواء أتشريعية كانت أم مبكرة! قريبة أم بعيدة! فهي في الحالين يشوبها لغط مافتئ الجميع عن تداوله في أحاديثهم، منهم المتفائل ومنهم المتوجس ريبة في إجرائها، ولايخفى أن نسبة المتفائلين متدنية عن الأخيرين، حيث يلوح شبح (سانت ليغو) بهيئته المرعبة، و(سانت ليغو) معروف بسوء الصيت والسلبية والعواقب الوخيمة على البلاد.
وقد شد المرشحون عزمهم بما أوتوا من قوة وبأس شديد، بالترويج عن مفاتنهم ومحاسنهم وبطولاتهم الموعودة، في حين يتوجب عليهم إدراك حقيقة، هي أصلا غير غائبة عن ذوي الألباب والأسوياء من الناس، تلك هي أن جمال الشكل وبهرج المظهر، لا يدخل ضمن شروط المتقدم للانتخابات، واتخاذه وسيلة للترويج والإعلان يعد ضحكا على ذقون الناخبين وخدعة لاتغتفر، وسيعيها الناخب إن عاجلا أم آجلا، وسيكون رده قاسيا بعد أن يُجبر على الدفاع عن حقوقه بأية وسيلة كانت.
لذا على المرشح المتسابق توخي مؤهلات أخرى غير ظاهرة، يلمسها الناخب بعد حين في يوميات حياته وتفاصيلها، وسيكون هذا بعد فوز من سيصطبغ إصبعه من أجله بنفسجا، تلك المؤهلات هي التي تشكل مقومات فوزه بالنتيجة النهائية. وقطعا لن يكون هذا بسهولة الإعلان والترويج والدعاية فحسب، إذ هو يتطلب -أول مايتطلب- الشفافية فيما يرد في الإعلان من تعريف وتوصيف، وأهم من هذا، المصداقية في الوعود والوفاء بها، وكذلك تنفيذ العهود وعدم نقضها.
في مستقبل عراقنا، ستتنوع أمام أعيننا وعلى مسامعنا أشكال الترويج وأنغام التدليل على الشخوص المرشحين، ويشمل البهرج الفتان هذا أعمال المرشح وأفعاله، الماضية منها والموعودة مستقبلا، فيما لو حقق أكبر أصوات تؤيده وتفضله على غيره من المرشحين. وهو أمر هين في زمننا هذا، إذ أن وسائل الإعلان والترويج اليوم باتت بمتناول يد المرشح، بكل أفانينها الصحفية والإذاعية والتلفزيونية إلكترونيا، وهذا مايروج سوقه، ويبيض صفحته وإن كانت سوداء -وهي عادة كذلك- ويزيد من مساحة ناخبيه عددا ورقما لصالحه.
أذكر طرفة لها مغزى أظنه قريبا كل القرب لما أروم الوصول إليه، إذ يحكى ان الأسمر قال للأبيض -في محاولة للانتقاص من جاذبية ذوي البشرة البيضاء-:
- كل الشعراء والمغنين يتغنون بالأسمر، ويتغزلون بمحاسنه، ويتشببون بخفة دمه، ويستعذبون ظرفه وحلاوته، أما الأبيض فلا أحد يذكر من محاسنه شيئا.
فرد عليه الأبيض:
- ذلك لأن الأبيض لايحتاج دعاية!
هي طرفة قد يتخذ منها ذوو البشرة السمراء مؤهلا، لاعتلاء منصة التفضيل على أقرانهم البيض، مقابل هذا يستند اليها الأبيض لتبرير اعتلاء الأول تلك المنصة، في حين أن أولوية التفضيل له حسب ظنه. وفي كلا الحالتين فالإثنان موهومان في تصورهما، إذ ان الأفضلية لاتقاس وفق مقياس ضيق، كالكارزما والبذلة الفاخرة والمحبس والمسبحة و(الجكسارة)، فهناك من هو أفضل بمقومات ومؤهلات أخرى، لاتمت الى المظهر والمنظر بصلة، بل يؤخذ الجوهر والمخبر بعين الاعتبار، وعليهما يعول وضع المرء في ميزان الأفضلية، وقد قيل في هذا:
عليك بالنفس فاستكمل فضائلها
فأنت بالنفس لا بالجسم إنسان
***
علي علي