أقلام حرة
ثامر الحاج امين: بورتريه لصورة الثقلاء
خلال حياتنا اليومية نواجه العديد من المنغصّات الاجتماعية والسياسية التي تفسد علينا متعة الفوز بلحظات هانئة بعيدة عن كل ما هو ثقيل يعكّر المزاج ويزيد من التوتر النفسي الناتج عن ضغوطات العمل ومتطلبات العيش وكوارث الطبقة السياسية، ومن بين هذه المفسدات هو تواجد الثقلاء في مجالسنا، فقد كشفت تجارب الحياة الاجتماعية ان المجالسة تطيب بخفة الجلساء، فكم من المجالس الممتعة دخل عليها ثقيل فأفسدها بتفاهة حديثه وتطفله وسذاجته، فالثقلاء لا يفسدون المجالس فحسب انما ايضا يسقمون الروح فقد قيل للأمام والفقيه "الشعبي " هل تمرض الروح ؟ قال: نعم من ظل الثقلاء، والثقلاء هم فئة من الناس الذين لا تطاق معاشرتهم لأنهم يفتقدون الى الكياسة والتهذيب وسوء التعامل مع الاخر وكذلك اصحاب المشاعر المتحجرة، وبسبب هذه الخصال التي فيها الكثير من الغث صارت هذه الفئة هدفا للذم والتحذير من مصاحبتهم والجلوس اليهم لما في سلوكهم من ذمامة غير محببة في المجالس والصداقات، وقد ترددت شكوى الشعراء والأدباء من الثقلاء فوصفوهم بأسوأ الأوصاف حتى ان الشاعر احمد شوقي كان شديد الدقة في تصوير الكره للثقيل في قوله:
سقط الثقيل من السفينة في الدجى
فبكى عليه رفاقه وترحموا
حتى اذا طلع الصباح أتت به
نحو السفينة موجة تتقدم
قالت خذوه كما أتاني سالما
لم أبتلعه لأنه لا يهضم !
والأشعار في الثقلاء كثيرة وفي كتب الآداب مشهورة، فقد كتب العلماء والأدباء الكثير عن اخبار الثقلاء والتحذير من مخالطتهم حيث تصدر اسم الثقلاء عناوين كثيرة من الكتب، كما تزاحمت الشعراء والأدباء على ذكرهم وكانت كلها تتضمن ذمهم وتدعو الى تجنب مؤانستهم ووصفهم بـأنهم ( أثقل من ثهلان ) وهو جبل ضخم من نجد وكان أكثرهم رأفة بالثقيل من وصفه بأقل من جبل ثهلان وذلك في بيت الشعر الشهير:
أنت يا هذا ثقيل وثقيل وثقيل
أنت في المظهر إنسان وفي الميزان فيل
وخصلة سيئة اخرى يمتاز بها الثقيل هي الفضول والسؤال عما لا يعنيه ومن الحكايات الشهيرة عنها، هي: ان احدهم سأل الشاعر بشار بن برد ــ وكان أعمى ــ ما أذهب الله كريمتي مؤمن الاّ وعوضه الله خيرا منهما، فيم عوضك ؟ قال بشار: بعدم رؤية الثقلاء من أمثالك .
كما كتبوا في بلاهتهم وعدم احساسهم بالحرج من سوء افعالهم فقد قيل ان صديقا زارَ أخا له، فمكثَ عندهُ شهرًا كاملًا، فقال صاحبُ الدار: ألا تظنّ أن عائلتك قد اشتاقتْ إليك؟ قال: أعرف ذلك، وقد كتبتُ لهم أن يقدموا إليَّ هنا.
هذا بورنريه غير مكتمل لصورة الثقلاء فهو غيض من فيض مما وصف وقيل فيهم .
***
ثامر الحاج امين