أقلام حرة
علي فضيل العربي: يُخرّبون بيوتهم بأيديهم
ما يجري في السودان الطيّب، الشقيق، لا يصدّقه العقل السويّ والفؤاد الراشد. سلوك يشيب له الولدان؛ قتل ودمار لا يعقلان، ويوميّات المواطن السوداني أرّقها أزيز الرصاص ودوي القنابل وهدير الطيران.
أما آن للتقاتل بين الإخوة أن يضع أوزاره، ويهتدي الإخوة والأشقاء السودانيّون إلى سبيل غير سبيل الحرب الطاحنة؟ أم هو منطق رعونة الحمقى والمجانين؟
ما كان ينقص السودان الشقيق ليس إشعال فتيل الحرب بين أبناء الوطن الواحد والملّة الواحدة والتاريخ الواحد والمصير المشترك. وعلى مرّ الأزمنة المنصرمة من حياة البشريّة، لم تنتج الحروب الأهليّة والقبليّة والعشائريّة سوى الدمار والخراب. ولم تنسل سوى القتلى والجرحى والأيامى والأيتام والمصدومين.
إنّ عواقب الحرب السودانيّة / السودانيّة على المجتمع السوداني وخيمة على المديين القصير والطويل. ستنتهي لا محالة، كما انتهت قبلها وبعدها حروب أخرى مشابهة في زوايا كوكبنا. وسينتصر طرف على طرف، لكنّ المنتصر الأكبر هو الطرف الثالث، المستتر وراء الأكمة، وهو المستفيد الأكبر من رحى حرب الإخوة. إنّه الغرب الصليبي الشمالي، الحاقد على الجنوب، على أمّة العرب والمسلمين، والذي تقوده الفلسفة الصهيونيّة، التي تحرّكها الأطماع الاقتصاديّة في السودان وإفريقيا عامة.
إنّه لمن العجب العجاب – وما أكثر العجائب في زمن العولمة – أن يدّعي الغرب الإمبريالي، الاستعماري أنّه يسعى إلى توقيف الحرب الضروس في السودان الشقيق. إنّ الفلسفة الغربيّة والصهيونيّة فلسفة مخادعة وكيديّة ومنافقة، عندما يتعلّق الأمر بمصائر شعوب الجنوب، ومصير الأمة الإسلاميّة خاصة. حيث يعمد عرّابو السياسة في الغرب إلى إضرام نيران الحروب البينيّة بين الإخوة والجيران – كما هو جار اليوم في أوروبا الشرقيّة، بين روسيا وأوكرانيا – لينقذوا إقتصادياتهم من البوار والكساد والتضخّم، ويحموا مواطنيهم من شبح البطالة، وذلك بتسريع الإنتاج الحربي، وزيادة تصدير الأسلحة إلى ميادين الحروب.
إنّ ما يلحق السودان الشقيق، يوميا، من خسائر معنويّة وماديّة لا يمكن حصره في مجلّدات. ولعلّ أخطر تلك الخسائر، على الإطلاق، تمزيق النسيج الاجتماعي، وضرب الوحدة الوطنيّة السودانيّة، وإضعاف السودان إقليميّا وقاريّا، وتعريضه إلى خطر التقسيم الذي تصبو إليه القوى الغربيّة والصهيونيّة. إنّ إعادة بناء ما هدّمته هذه الحرب المجنونة، يتطلّب من الشعب السوداني الشقيق تضحيات أخرى جسيمة. وهل قدر هذا " العالم الثالث " أن يعيد، في كل مرّة، بناء ما دمرته إرادة أيادي الحمقى، وإصلاح ما افسدته النفوس المريضة بداء مزمن اسمه، الزعامة؟
ومن غرائب العالم الثالث، أن يتقاتل الأشقاء، أبناء الوطن الواحد، بمختلف الأسلحة الفتاّكة من أجل صنم غربيّ، اسمه الديمقراطيّة. وقد غاب عن أذهانهم أنّ الديمقراطيّة الغربيّة، فلسفة مدمّرة للبشر والحجر. لقد ارتكبت فرنسا الاستعماريّة في القرنين التاسع عشر والعشرين مجازر رهيبة في الجزائر، تحت ذريعة نشر الحضارة، في الوقت الذي دبّج مشرّعوها من فقهاء القانون الدستوري مباديء الديمقراطيّة، القائمة على الحريّة والأخوة والمساواة. ولم تكن تلك المبادئء سوى شعارات برّاقة لاستعباد الشعوب المستضعفة، وسرقة ثرواتها واستغلالها في بناء اقتصادياتها. وكذلك غزت جيوش أمريكا ودول الحلف الأطلسي أفغانستان والعراق، بمباركة بعض دول الجوار، وقتلت وسجنت وهجّرت من الشعبين مئات الآلاف من الأبرياء بحجة نشر الديمقراطيّة. ومازلت المواطن العربي في اليمن وليبيا وسوريا، يدفع ثمن سمكة أفريل ؛ " الربيع العربي ". لقد كان هذا الأخير، أكبر كذبة في حياة بعض الشعوب العربيّة. فقد استطاع الغرب، مخترع نظريّة " الفوضى الخلاّقة "، أن ينجز خديعته، ويُغرق شعوبا بأكملها في مسارات وخيمة العواقب. أيّها الشقّاء السودانيّون، لا تنتظروا الحلول من وراء الحدود، لتأتيكم بالسلام والطمأنينة لرأب الصدع بينكم. فقسما " بربّ النَّاسِ، مَلِكِ النَّاسِ، إِلَهِ النَّاسِ مِنْ شَرّ الوسْواسِ الخنّاسِ الذي يوسْوسُ في صُدورِ النَّاسِ من الجِنّة والنَّاسِ ". إنّ الصهيونيّة العالميّة تعيش أسعد لحظات حياتها وهي ترى أسلحتكم في صدور بعضكم البعض ونحوركم.
إنّ على الإخوة المتحاربين في السودان الشقيق، العودة إلى مربّع العقل الراشد. فليس من المعقول أن تقود أحلام رجلين بلدا بأكمله إلى الدمار والخراب، وشعبا طيّبا، مسالما، إلى إفناء الذات، أو تعيده قرونا إلى الوراء. لقد ولّى زمن داحس والغبراء، فاعتبروا يا أولي الألباب في السودان، ولا تخربوا بيوتكم بأيديكم، فقد تذهب ريحكم، ويطمع فيكم القاصي والداني. يومها ينادي المنادي، ولات ساعة مندم...
***
بقلم الناقد والروائي: علي فضيل العربي – الجزائر