كتابات

لها ... لكم ...

للاقلام النيرة التي اصدرت 2000 عدد


***
وقفت في ساحة العرض، اختارت نقطة الوسط تماما، نظرت الى جميع الاتجاهات، لاحت لها كوة صغيرة، قالت: اذن هنا سيعلن عميد القرية عن اسماء المتفوقين .. انتشت قليلا، خطت خطوة الى الامام، تصورت فرحتها وهي تستلم الجائزة، ثم تراجعت، جفلت واغمضت عينيها .. قالت: وماذا لو تقدّم عليّ فلان وفلان؟.. ماذا لو كنت الثالثة او الرابعة في قائمة الفائزين؟ ماذا سيقول عني ابناء القرية؟ .. آه .. يا الهي، لماذا تراودني الأوهام؟ لا .. لا .. عليّ ان أتريث، أعمالي أشاد بها الجميع وانا واثقة من نفسي، فلماذا ينتابني القلق؟

هكذا رددت الكلمات بارتباك .. وحيرة

ثم اردفت:

لكنه صارم، لا يجامل .. أعرفه جيدا، هذا ما اخشاه، حقا سيسحق غروري اذا تجاهلني.

***

حينما اقتربت الساعة الرابعة عصرا، تجمع ابناء القرية .. الكل ينتظر، يترقب، سمعتهم يتهامسون .. فلان هو الفائز الاول، وآخر يقول فلان، وثالث يقول: كل توقعاتكم خاطئة. ولاحت من بعضهم  نظرات مريبة، فكاد ان يغشى عليها، لكنها تماسكت حينما طل من كوته، وبيده اوراقه العتيدة، ومعه بعض رجاله وحاشيته.

نظر الى الجميع، شاهد الرجال والنساء، كل يترقّب. اتخذ مكانا مرتفعا .. ثم بدأ نائبه يتلو الاسماء الفائزة واحدا بعد الآخر، وهي تصغي بلهفة، حتى اذا همّ باعلان الاسم التالي قالت: انا، انا (س ع ا د)..

لكنه وهم .. وهم .. لست من الفائزين. فماذا انتظر ..  هذه هي الحقيقة ..

***

عادت الى بيتها منكسرة، مذهولة .. تحاصرها نظرات الشامتين، وتطاردها كلمات المستهزئين، فودّت لو انها توارت، او ابتلعتها الارض. كان موقفا صعبا .. محرجا، لم يكن متوقعا مطلقا.

آفاقت من هول الصدمة، وقالت بغضب:

سانتقم ..

سانتقم ..

سيعرف من انا. ساحطّم كبرياءه. ساجعله يندم ..

ثم راحت تقلب فنون المكر، وتفكر بحيل النساء، فصاحت بصوت مرتفع: وجدتها .. عليّ ان اكون اكثر حنكة، الامر ليس هينا، عميد القرية يتحصّن خلف رجال أشداء، أقوياء، فكيف أجد من ينافسهم ويتحداهم في مهنتهم. هذه هي الخطوة الاولى في معركتي معه. أن أعثر على رجل يجعل عميد القرية يغيّر قناعته .. لكن هل بمقدورنا ان نصنع انسانا كما نريد؟؟ ..

 لنجرب ..

استبد بها صمت عميق، استغرقت في تفكيرها وهواجسها، ثم قامت فجأة، واخذت تتحرك بأناة ورويّة، فجمعت قطعا من حديد ونحاس.. أوقدت عليها نار غضبها، وصهرتها بجمر احشائها، واضافت لها رماد حقدها الدفين، حتى لانت لها، فصيّرت منها تمثالا جميلا، قصير القامة، دعج العينين، ينظر شزرا، ولحية طويلة. وشقت في داخله قناة، تعلوها ثقوب اربعة، يمكنها التحكّم بها.

ولما نفخت فيه من روحها الشريرة، بدى وجهه متجهما. ابتسمت حينما نظرت اليه، وقالت: ما علينا الا ان نصّدق اوهامنا، ونجد من يدافع عنها، حينئذٍ ستكون هي الحقيقة في أعين الناس .. أليس أصدق الحقائق أكذبها؟؟

وهذا ما سأفعله، ساجعلهم يغيّرون قناعاتهم، ويعترفون بابداعاته وإن كانت مزيفة. لذا ارتدت أفخر ثيابها، ووضعت أبهى زينتها، ثم اشارت لبعض صعاليك الرجال بكلمات منمقة، واغراءات ساحرة، فجاءوا يتهافتون، رجالا لبقين، يرتلوّن كلاما منافقا، أمرتهم ان يصطفوا واحدا تلو الاخر، ثم طلبت منهم ان ينفخوا في قناة التمثال ويصفّقون له، فصدر منه صفير، راحت تتحكم به عبر الثقوب الأربعة. فاضفت على اصواتهم موسيقى باهتة.. وكلما انتهى أحدهم من مهمته جلست تضحك، تتباهى، تعلوها ابتسامة صفراء، وهي تردد:

سترى .. سترى.

ثم أفاقت فجأة، وماذا لو انكشفت اللعبة؟؟

نظرت الى نقطة بعيدة، تطوي الافق في عينيها، وابتسمت:

وماذا عن جوقة المطبلين؟ .. هكذا اجابت بثقة عالية.

ولما حان وقت التحدي، ارادت ان تحمله، لكن ...

 صعقها خواء حلمها.

*** 

ماجد الغرباوي

 

كان يحرصُ على الجلوس قريبا من منبر الخطيب، يصغي اليه بروحه، يتابعُ حركاته، يتطلع الى حديثه بشغفٍ، تنهمر دموعه، وهو يسمع كلماته ترن في اذنَيّه، يحلق معه في عوالم غريبة.

يعود الى بيته، يستبد به سبات روحي عميق، يطيل النظر بصمت، يتوهج في داخله سؤال ملح، أين انا من رفاق الدرب الطويل، يراجع نفسه، يؤنبها، ثم يخاطب ربه، رباه ارحمني، لا أبغي إلا رضاك، لا أُريد البقاء هنا، ولي رفاق، يخوضون الصعاب، من أجل قضايانا. من أجل قيَّمِنا ومبادِئِنا، من اجل اهلنا ووطننا.

ثم يتذكر رفاق دربه، ويتصورهم كيف يتسلقون الجبال، ينامون بين الصخور، ويتوقعون الموت في كل لحظة، لكن إرادتهم لا تلين، وعزمهم كالحديد، يستأنسون بالموت، ويتوقعونه في كل لحظة.

تذكر حديث احمد البصري، عندما كان يحدثه عن مواقف بطولية، عن عمليات قتالية محدودة، عن مواجهات دامية. كان يذكره باصدقائه سعيد وكاظم وسالم، ويحدثه طويلا عن نوري جواد، ذلك الرمز الذي هجر الأهل والأحبة كي يلتحق برفاق دربه، ويواجه الموت بنفسه.

اه يا الهي، سوف لن ابقى ساعة واحدة، سأرحل مع أقرب قافلة، سألتحق بهم، مهما كانت المهمة صعبة.

وبالفعل تحققت امنيته ذات يوم عندما التقى بأحمد البصري ثانية، سأله بلهفة:

احمد متى سفرك؟

لماذا تسأل يارعد؟ هل ترغب بالمجيء معنا؟

بالتأكيد، وهذا قرار نهائي لا رجعة فيه. هكذا اجاب رعد وفورا..

ولكن.. قال احمد

ولكن ماذا؟ سأله رعد

احمد: وماذا عن موافقة والديك؟ انا اعلم انت الولد الوحيد، ومن الصعب جدا ان يوافقوا على ذهابك.

اجاب رعد: اطمئن، هذا قرار نهائي، وافقوا ام لم يوافقوا، وقررت أن لا اخبرهم بشي، هم يعلمون أنا بحاجة الى سفرة ترفيهية، وقد حان موعدها.

اذن: موعدنا غدا صباحا، اجابه احمد.

بقي رعد يفكر تلك الليلة، تصور لقاءه الاول مع نوري جواد، ماذا سيقول له عندما يصافحه؟ هل سيشاهد انسانا مثلنا؟ ام ملاكا يمشي على الارض؟ تصوره بهالة نورانية، واخرى تصوره يمشي والملائكة تحيط به من كل جانب. وثالثا تصوره، اشعث الراس، نحيلا، وجهه مكفهر من التعب، والسهر، وقساوة الطبيعة. تصوره بِعِدَّةِ السلاح، وملابس القتال، تصوره بمختلف الاشكال.

ظل على تلك الحالة طوال العشرة ايام التي قطعوا فيها الطريق، ناموا على الارض، واجهوا مخاطرَ جمة، ارعبه الليل في تلك الوديان القاحلة، والطرق الجبلية الملتوية، كان يمشي بحذر شديد، يترقب، يخشى كل طارق، انهكه التعب، كان يبدد خوفه بذكر الله، ويمني نفسه بلقاء رفاقه، فكانت اياما طويلة، مرهقة، متعبة، لكنهم بعد نهار طويل مليء بالمفاجآت وصلوا مدينة نائية كي يستريحوا عدة ايام ثم يواصلوا طريقهم الى مواقع الرفاق.

وحين مرورهم بشوارع المدينة توقفوا امام بناية عالية، تحيطها حدائق غناء، وتنيرها مصابيح الكهرباء بكثافة، اشار احمد الى رجلٍ واقفٍ هناك، يحمل ملازم كتبه بيده، ببدلةٍ انيقةٍ، قد بدت عليه ملامح الترف، فسأله رعد من هذا؟

انه نوري جواد، يارعد

لم يصدق نفسه، راح رعد يسلم عليه بحرارةٍ، ودموعه تجري على خديه، رهبةً وفرحاً، حاول ان ينطق بأي كلمة، فلم يتمكنْ، ظل صامتاً، ويده ممسكة يد نوري جواد.

هدأ نوري جواد من روعهِ، عندما ابتسم له، وسلم عليه. ثم قال رعد له:

لقد كنت اتذكرك في كل خطوة اخطوها في ذلك الطريق الوعر، كنت لا تغيب عن بالي أبداً؟ ما ينقله الأخوان عنك من قصص كانت تؤجج شوقي لرؤيتك،

كيف استطعت الصمود كل هذهِ الفترة؟ سأله رعد ببراءة واعجاب.

فاجاب نوري جواد بهدوء:

لا يا رعد انا عادة أأتي من الطرف الاخر بواسطة سيارة، ولا اكابد اي مشقة في الطريق.

فغر رعد فاه، وسأل نوري جواد، هل يعني انك لم تلتحق برفاق دربك؟

وقبل ان يجيب نوري جواد على سؤاله

لاحت لرعد لوحة كبيرة فوق البناية كتب عليها

قسم الدراسات العليا!!!!

***

ماجد الغرباوي

الجمعة 07/01 /2011

متعباً ..

تداعبني ألسنة كلمات

تتلظى

تفترس أحلاما تطوف

في محرابِ حروف خاوية

*

أتقلب بين حنايا أمواج عاتية

مفجوعاً

أتهجّى صفحات المرارة

*

ما زلنا نمتشق الآهات

ننثرها في دروب

الحفاة

نتبادل نخب أوجاع

أيقظتها طبول فارغة

*

سدنة المحافل الباذخة

بطونهم خاوية

الا من زفرات جروح

وقليل من بقايا موبقات

*

أتحاشى نظراتكِ المتعبة

تنزلق بي الى هاوية الذكريات

الى وطن مزقته حراب

بائسة

*

تعالي نفجّر الصخر

أشرعة ماء

تحتضن آهاتنا

وتطرز الارض زنابق بيضاء

***

بقلم: ماجد الغرباوي

14 / 10 / 2011

 

عندما قرر اجتياز المكان، أعدّ بغلته جيدا، سمح لها بتناول ما تبقى من طعام .. خطى خطوته الاولى، فاجأه المكان .. طرقات مكتظة، مصابيح تتلألأ، عربات مسرعة، كاد ان يلحق بالأولى، عثرت بغلته، أوشكت أن تسقطه ارضا.

عاد ثانية الى داره، أسرف في زينتها، في تنوع غذائها، غامر من جديد، كاد ان يختطفه قطار المسافات الطويلة، استفزته الحيرة.

فقد صوابه.

اتخذ قرارا مصيريا، استبدل بغلته بحصان، اختاره مطهما، ضمن لنفسه سرعة السير، سألحق بتلك العربة البيضاء، ما كاد يرمقها ببصره، حتى مرت ثانية سوداء.. توالت بالوانها واحجامها المذهلة تلك العربات الخبيثة،

كان مرتبكا حد اللعنة، يتلفت .. منظر لم يألفه، بعد ان قضى حياته داخل البيوت الرطبة، لا يتنقل الا في الظلام، او بين المقابر.

كيف يواصل الطريق؟

ظل يتمتم، يقارن نفسه بمن حوله

بماذا أختلف عن تلك المرأة،

 او ذلك الرجل الطويل.

تفحص المارة، واحدا تلو الاخر، تسمّر في نهاية الطريق، كلهم متشابهون، مثلي تماما، لا أجد فرقا بيننا،

اذن لماذا اراوح في مكاني.

بدأ يراجع أفكاره، يتفحصها

اتخذ قرارا آخر

قال: أول الطريق ان أتخلى عن دابتي كي ألحق بركب الشارع الجديد، ولما خطى مسرعا، اعاده رباطها الملفوف على رأسه الى حيث كان يعيش

........؟؟؟؟؟؟

!!!!!!

 ***

بقلم: ماجد الغرباوي

01/ 10 /2011

 

كان منذ نعومة اظفاره يهوى الموسيقى، يعشقها، يذوب بسحرها، تجتاحه متعة عارمة، تطرب لها روحه وجوارحه، وطالما تمنى ان يكون عازفا شهيرا. كانت الموسيقى حلمه الذي لا يفارقه، وقد حاول في صغره ان يصنع من علب السكائر آلة يعزف عليها، بعد ان يثبت فوقها بضع خيوط، واستمر يحلم حتى اذا بلغ الخامسة عشر دخل معهدا لتعلّم الموسيقى، حقق فيه نجاحا اثار اعجاب معلمه.

كان المعلم لطيفا حليما، يحب طلابه، فاحبوه، بل ان عليا كان يعشق معلمه لدماثة خلقه، وسعة حلمه. وكان يصغي له ويتودد له. ويوما بعد يوم توطدت العلاقة، وصار علي بمنزلة الولد البار لوالده.

اتسم المعلم بلباقة كبيرة، ونوايا سليمة، ولياقة بدنية عالية. كان محبا للفقراء، يتعاطف مع المحرومين، يتألم لمشاهد البؤس والحرمان. ولا يتوانى عن تقديم يد المساعدة. ومما زاد في تعلق علي به، كان يرى في معلمه غموضا يدهشه، لا يعرف حقيقته، ويتمنى لو يكتشفه يوما ما. فتارة يعتقد وراء هذه الشخصية عبقرية فذة. ومرة يتصوره شخصاً يكتنفه الغموض، لكنه سرعان ما يتراجع ويوبخ نفسه، ما هذه الشكوك الشيطانية؟ هل هناك رجل مثله في اخلاقه وسلوكه؟ وهكذا تحول المعلم الى لغز يتمنى علي ان يحله يوما ما، ويتعرف على حقيقته.

وذات يوم قرر المعلم فجأة ان يكون لاعب سيرك، معتمدا على لياقاته الجسدية، وخفة حركاته. وعندما فاتح علي بالامر استغرب من قرار معلمه، واندهش مما زاد في حيرته، فما علاقة السيرك بالموسيقى؟ غير ان المعلم وما يتمتع به من لباقة اقنع علي بالفكرة، على ان يعملا معا، يقوم الملعم بدور لاعب السيرك، وعلى يعزف الحانا موسيقية تتناسب مع حركات اللاعب، كي يشد انتباه الجمهور، ويمكن اللاعب من تمرير حركاته البهلوانية ببراعة.

ورغم عدم قناعته بالموضوع وافق علي معلمه، واستعد للعمل بعد ان تمرن طويلا، وضبط ايقاع الحركات. وكان المعلم بعد التمرن على مشاهد السيرك وحركاته، يحدّث عليا يوميا عن مستقبل عملهما، وما سيحققانه من النجاح، من اجل مشاريعهما الانسانية. وكان احدهما يحث الاخر على نكران الذات، والتضحية، ونسيان المصالح الشخصية.

حتى اذا بدأ العرض الاول حقق السيرك نجاحا كبيرا، وارباحا عالية، مما شجع المعلم على مضاعفة العمل من اجل تقديم استعراضات اخرى، اكثر جاذبية. اما علي فكان حريصا على تقديم معزوفات موسيقية متناسقة مع حركات معلمه. غير ان المعلم فاجأ علي في الاستعراض الثاني بحركات غير متفق عليها، من اجل شد الجمهور، وما أربك علي عندما كرر المعلم تلك الحركات. حتى ذاع صيته في كل أرجاء المدينة، لكنها حركات لا تليق بالمعلم، لا اقل من وجهة نظر علي، الذي طالما اشاد بمبدئية معلمه امام اصدقائه، وكان يقول دائما: اذا كان هناك شي يفتخر به معلمنا فهو مبدئيته واستقامته. اذن كيف تصدر عنه هذه الحركات؟

المعلم ظل يتفنن في حركاته اكثر، حتى عمد مرة الى ابراز عورته، واحدث ضجة كبيرة داخل السرك، وعلا التصفيق والصياح، فصعق علي، ووقعت آلته الموسيقية من يده، مما اغضب المعلم، فوبخه بعد انتهاء العرض، وعنفه، لكن علي لم يسكت له هذه المرة واخذ يجادله، ويذكره بمبادئه وقيمه التي تربى عليها.

 -فرد عليه المعلم: انت لا تفهم شيئا، انا مضطر لذلك من اجل انجاح المشهد، وكسب ود الجماهير، والاستفادة من ريع استعراضاتنا لخدمة مبادئنا الانسانية.

-لكن هذا لا يبرر لجوئنا لهذا اللون من التصرفات، هكذا رد علي.

-نظر المعلم له نظرة استخفاف، ثم اردف: للاسف انك لا تعرف شي من ابجديات العمل.

يا ولدي السيرك كالسياسية، يعتمد على الخداع، والتشويش على تفكير الناس، وسرقة اعجابهم.واستغلال مشاعرهم.

- وماذا عن القيم الانسانية، وماذا عن الاخلاق؟ هكذا سأل علي ببراءة

- اجاب المعلم ستعلمك التجارب ان هناك مصالح تعلو على المبادئ والاخلاق، فلا تكن ساذجا. وان ما نجنيه من ريع عملنا سنخدم به شريحة واسعة من البؤساء والمعدومين.

قرر علي فورا مقاطعة العمل، والانصراف الى عمل اخر، ومن دون استئذان انسحب من ساحة العرض، وراح من ساعته يبحث عن عمل يسد نفقاته الحياتية. فعمل عامل استنساخ، في احد المكاتب، براتب بسيط، بالكاد يغطي نفقاته اليومية، لكنه كان يشعر بسعادة عارمة، لان موقفه كان مبدئيا، ومنسجما مع قيّمه.

ورغم ذلك كان يتمنى ان يعتذر له معلمه ويعيده للعمل، وظلت تراوده فكرة الاعتذار وهو يستعد لها، ويختار من الكلمات ما هو مناسب لرجل عصامي. وكان يقول من الضروري ان لا اقبل اعتذاره ببساطه، وعليّ ان اقاوم اغراءاته ولو لساعة، هذا احفظ لماء الوجه. ثم يقول: لا لا ربما تضيع الفرصة اذا تشدَدّْت اكثر، علي ان ابقي الباب مفتوحا ... هذه افضل طريقه لكسب ود معلمي من جديد..

وبينما هو جالسا ذات يوم توقفت سيارة فارهة، ونزل منها شاب عرفه ابن المعلم، ذلك الشاب الفقير الحافي، واذا به يستقل ارقى انواع السيارات، فاستعد له علي، بعد ان تيقن انه جاء ليعتذر له نيابة عن ابيه. ورغم ارتباكه بدى متوازنا، قويا، صارما. ورمق الشاب الواقف امامه بنظرة استغراب، مندهشا من منظره وطريقة كلامه، فبدد ابن المعلم الصمت، وسأل علي:

-ماذا تعمل يا علي؟

-عامل استنساخ والحمد لله

-فاطلق ابن المعلم ضحكة مدوية، باستخفاف كبير، وقال:

مبروك لك عملك الجديد!!!

*** 

 بقلم: ماجد الغرباوي

 السبت 29 /01 /2011

 

إستفزتها مشاعر غريبة، شعرت بندم كبير، كادت ان تقع على الارض، تماسكت، شعرت برهبة المكان، نظرت بعينيّن شاردتيّن، ارادت ان تصرخ، كتمت صرختها، كلمت نفسها، منال ماذا تفعلين، انها الفضيحة، ماذا سيقول مازن،

الحمد لله لم أتفوه بشيء، لم أبح به، سيبقى سراً، لا لن أتكلم الآن .. عاداتنا وتقاليدنا لا تسمح بذلك، الموضوع يحتاج إلى تفكير عميق، يحتاج إلى تأمل، مناقشة جزئياته، مع أشخاص يدركون الحياة العصرية ومتطلباتها..

ضحكت في داخلها، عندما نطقت بمصطلح الحياة العصرية، وهل حقا فينا من يدرك معناها، يا إلهي بماذا يفرق عنا الآخرون، ألسنا بشراً مثلهم، إذن أين الخلل، وظلت تردد أفكاراً في داخلها جعلتها شاردة، مذهولة، شعرت بسطوة التقاليد وقسوتها، تذكرت صديقتها نادية، وماذا حل بها، لانها أحبت رجلا غريبا، وكيف تصرف أهلها معها.

كم كانت نادية نموذجا نسائياً رائعاً، آه كانت تتمتع بثقافة رفيعة، تعتقد ان من حقها ان تمارس حياتها بحرية، لم تخرج عن العادات والتقاليد، لم تتجرأ على مكانة أبيها لا سمح الله، انها أحبت زميلها في الجامعة، تمنت ان يكون شريك حياتها مستقبلاً، أخطأت حينما باحت بسرها لأختها، فكانت المأساة.

يا إلهي لو ان نادية الآن موجودة معي، لما عانيت بهذه الطريقة الموجعة، اذا كيف أخطو الخطوة الاولى.

أرادت أن تستريح قليلا، اسندت رأسها الى الجدار، أغمضت عينيّها، تذكرت معاناتها مع أهلها، وأبناء عمومتها، وكيف كانت في كل خطوة تواجه متاعب كبيرة كي يقتنع الجميع بها، وربما منال لا تعتقد ان أهلها قد إقتنعوا باي واحدة من خطواتها، وإنما يجبرون على ذلك لحبهم الشديد لمنال، هي تدرك ان ثقافتهم لا تساعد على تقبل اي مشروع، من هذا القبيل.

لكن مشروعها، الذي شغلها، يمثل امنيتها، ومستقبل حياتها، ومستعدة للتضحية من أجله. لكن هل كل شي بالتضحية، أبدا، كم من ضحى دون ان يحقق شيئا، اذن ماذا تعمل، ستبدأ بتثقيف أهلها وفق مفاهيم جديدة تسمح بمفاتحتهم؟ مستحيل، غير ممكن.

آه كم أُحلق بفضاءات غير واقعية، هل كل أصحاب الأماني مثلي غير واقعين؟ ربما، لا أدري.

كادت أن تسقط على الأرض وهي تسمع أخوها مازن يحدثها، بوقار: منال ظروفنا الإجتماعية لا تسمح لنا بعمل كل شيء، وعلينا ان ننتبه دائماً كي لا نفقد مكانتنا الإجتماعية.

لم تصبر، على كلامه، قررت أن ترد أخاها الكبير، فراحت تتلعثم باحثة عن اي كلمة تمهد لها الطريق للحديث والمناقشة، جَرَأتْ نفسها، تماسكت أكثر، قالت له، ولكن هل المقام الإجتماعي يطورنا، ويفتح لنا آفاق الحياة؟ هل نعطل مشاريعنا بحجة حيثيتنا الإجتماعية؟ ولماذا دائما ننتظر آراء الناس، وقررت مفاتحته بمشروعها وامنيتها الوحيدة، وتشجعت كثيراً، بلعت ريقها مرتين، ضمت يديّها الى صدرها، حكت شعرها، أنزلت يديّها، أزاغت ببصرها كي لاتلتقي ببصره وتفشل خطتها، تنحنحت، ثم نطقت بصعوبة:

مازن:مم

الا ان كل الأُمنيات تلاشت بنظرة من طرف عينه الغاضبة.

 ***

ماجد الغرباوي

الاثنين 03 /01 /2011

 

لها ...

 تتدلى عطاياك

عناقيد عشق ٍ

معتقٍ

يأخذني الى حيث

صوتك حينما يطربني

 *

يا انتِ

كم شهقة

حب

تؤجج نار الشوق

تحرقني

فأتوق الى رؤياك

سنبلة عطشى

تراودها الاحلام

فترتوي ظمأ

اسبح باسمك

حين طلوع الحب

فتستلقي هواجسي

تستريح على شطآن

حلمنا الموعود

في انتظار فجر

صادق

ليس فيه سوى

اميرة حب تشع

بقلبها

وتعيد لي

ايام ضيَّعَتها عواتي السنين

***

ماجد الغرباوي

 

تعقيبا على مقال: الايدولوجيا والتسامح .. الماركسية الشائعة إنموذجا

بدءا اشكر الاخ الاستاذ سلام كاظم فرج على مقاله الانف، كما اشكر جميع السيدات والسادة على مداخلاتهم وتعقيباتهم القيمة، سواء على الحوار، الذي اجرته مع الكاتب الاستاذة الفاضلة هيام الفرشيشي، او مقال الايديولوجيا والتسامح .. الماركسية الشائعة إنموذجا. وبالفعل قدمت تلك المداخلات والتعقيبات اضافة نوعية. لكن ثمة التباس سببه عدم اطلاع الجميع على الكتاب باستثناء البعض، من هنا بات ضروريا تسليط الضوء على مفهوم التسامح، وما تكتنفه من اشكاليات، كي تتضح الرؤية ويتكامل الحوار.

وقبل البدء بالبحث، الفت الانتباه الى عنوان الكتاب الذي جرى الحوار مع الاعلامية المرموقة هيام الفرشيشي حوله:

اسم الكتاب هو: (التسامح ومنابع اللاتسامح .. فرص التعايش بين الاديان والثقافات)

فاطار البحث الاديان والثقافات، وقد يتعدى الى مساحات اخرى كالسياسة مثلا. وعلى هذا الاساس تبدو هواجس الشاعرة جوزيه حلو (حيث تساءلت كيف يمكن التسامح مع المعتدي مثل اسرائيل؟) غير مبررة لانها خارج موضوع البحث من جهة، كما ان التسامح لا يعني التنازل. والمثل الذي ضربته يدخل في باب الحق والتنازل عنه، وليس في باب العفو والصفح. فاللبس سببه المفهوم.

الانا والاخر

الاشكالية الاساس، التي تسببت بكل هذا العناء والصراع الديني والمذهبي عبر الاجيال، هو تصور الفرد عن ذاته والاخر. فالذات دائما تحتكر الحقيقه وتحتكر طرق الوصول اليها، وتحرم الاخر منها، بما فيهم الاخر الداخلي في اغلب الاحيان. من هنا يقع الاحتكاك والصراع، ويستحكم منطق الاقصاء. (انا على حق مطلق وانت على باطل مطلق)، وعندما يراد تهدئة الوضع يصار الى التسامح بمعناه اللغوي، الذي يستبطن المنة والتكرم والتفضل. فتعمل الاجهزة الاعلامية والحكومية والشعبية على اشاعة مفهوم التسامح ومطالبة الناس بالعفو والرحمة والمغفرة من اجل التهدئة وانهاء الاقتتال.

وهذا النوع من التسامح (اللغوي) لا يزحزح الاشكالية، وتبقى الذات متعالية، متفوقه، تنظر للاخر بريبة وشك، الا انها تمن عليه وتتسامح معه، دون الاعتراف بامكانية وصوله للحقيه وحقه في امتلاكها. لهذا ينهار التسامح عند اول احتكاك مع الاخر كما حصل في العراق وغيره من البلدان. ورغم جهود مؤتمرات الوحده الاسلامية التي تعقد في اكثر من بلد سنويا، غير انها لم تحقق لنا الوحده الحقيقه ولا جزءا منها. وانما مهرجانات وتجمعات ورفع شعارات براقة، اما حقيقة الامر فكل طرف لا يؤمن بالاخر، ولا يعترف به حقيقة، ويسود العلاقات منطق التكفير والاقصاء.

الكتاب (كتاب التسامح للكاتب) محاولة جادة لايجاد فرص للتعايش السلمي بين الثقافات والديانات، وفق مفهوم جديد للتسامح بعيدا عن المعنى اللغوي. وتقديم فهم اخر للحقيقة وطرق الوصول اليها. من اجل انتزاع اعتراف حقيقي به، والاعتراف بامكانية وصوله لها. وسلب التسامح صفة المنة والتكرم (كما هو مفهوم التسامح في قاموسنا الشرق اوسطي).

ورغم ان الكتاب لم يشكك في وحدة الحقيقه الا انه انحاز الى تعدد الطرق اليها. فليس هناك احتكار كامل لها، ولا حرمان لاحد، حتى وان تفاوتت النسب بينهما (الطرق الى الله بعدد انفاس الخلائق). وبهذا فقط يمكننا ارساء اسس السلم والتعايش السلمي بين الثقافات والديانات. لان اساس المشكلة ان كل اصحاب الديانات (مثلا) يعتقد انه على حق مطلقا، والاخر باطل مطلقا. وحينما يتسامح مع الاخر، يتسامح معه منة وتفضلا وتكرما (وهنا مكمن الخطر). بينما المطلوب ان يعي كل فرد علاقته بالحقيقه وكيفية الوصول اليها. والخطوة الاولى على الطريق هي اعادة النظر بالموروث الثقافي والديني، وقراته وفقا لمتطلبات الزمانية والمكانية، وفهم ظروف النص والمناسبة التي قيل فيها. كي نحد من الرفد المتواصل للانا وتعزيز مكانتها مقابل الاخر.

اذن فالكتاب ينفي احتكار الحقيقه من قبل طرف دون اخر، لعدم وجود فهم مطلق لها، وانما هي تفسيرات، تؤثر بها الظروف الزمانية والمكانية، والحالات النفسية، وقبليات المفسر. ومادامت هي وجهات نظر فلا يمكن الجزم بها، واعتبارها حقيقة مطلقة. وعندما ينتفي الاطلاق تتحول الى قضية نسبية، وما دامت نسبية فهي تختلف من شخص الى اخر. وهكذا فكل شخص يفهم من الحقيقه ما تبدو له من خلال قبلياته، وثقافته، وبيئته. ولا يبقى تفوق مطلق لاحد على غيره، ويسود منطق (رايي صواب يحتمل الخطأ، ورأيك خطأ يحتمل الصواب). فدائما هناك فسحه لاعادة النظر والمراجعة.

وبعباره اخرى، انا ولاخر نعي بعضا من الحقيقه، ومن هنا وجب علي الاعتراف به، لا منة، ولكن باعتباره يماثلني في الفهم، وان كان بنسبة متفاوتة... وهذا يختلف تماما عن المنة والتكرم. اي لا توجد اي منة لي عليه، فهو له طرقه للحقيقه ولي طرقي، وكلانا قد يصيب وقد يخطأ. وبهذا الفهم ينتفي منطق التعالى على الاخر، وينتفي منطق الاقصاء والتكفير. ويعيش الناس بامن وسلام رغم الاختلاف الديني والثقافي.

ان وعي التسامح بهذا الشكل مرفوض لدى الراديكاليين والايدولوجيين وكل المتطرفين، (سيما الدينيين) لان ركيزة الايديولوجيا (بمعناها السلبي) هو الشعور بالتفوق والفوقيه، واحتكار الحقيقه، لهذا لا تستخدم الايديولوجيا العقل بقدر استخدامها لمنطق الشعارات والعاطفة، ولا تسمح بمناقشة عقيدتها وافكارها الاساسية، وتبرر سلوكها مهما كان دمويا، لانه مشروع يستهدف هداية الناس (حسب فهمها)، وتخليصهم من الجحيم. على العكس من التسامح بالمعنى الاصطلاحي، فلا توجد لديه نهائيات، وكل شيء قابل للنفاش، والمراجعة، والتراجع عن اي فكرة مهما كانت خطورتها ما دامت معززة بمنطق العقل والعقلانية. فالايدلوجيا والتسامح خطان متوازيان.

واخيرا نحن بحاجة ماسة الى ثقافة جديدة، ووعي جديد، نؤسس في ضوئهما مجتمعا انسانيا، بعيدا عن منطق الاقصاء والتكفير، ويعيش الناس فيه على اسس انسانية، وهذا لا يعني الغاء الخصوصية، وانما التعالي على سلطتها، والاحتكام الى العقل والمنطق العقلاني.

ولكي لا يصار الى تأويلات بعيده، دعونا نفرق بين العقائدية والايدولوجية، رغم التماثل، او الاتحاد على بعض الاراء.. والفرق بينهما، امكانية التراجع وقبول النقد، رغم تشابه مرجعياتهم من حيث اليقين والجزم. فالشخص العقائدي، له نفس صفات الايديولوجي اندفاعا وسلوكا وايمانا، غير ان ايمانه قابل للمراجعة والنقد، والاحتكام الى العقل. وبالتالي يكون بناؤه العقائدي بناء عقليا قائما على الدليل والبرهان، وليس الايدولوجي كذلك، لانه يرتكز الى منطق العاطفة وتأجيج المشاعر، والتعصب للافكار. ويعتمد اسلوب الكبح والاقصاء مع الاخر المختلف.

وتفصيلات الموضوع يتولاه كتاب التسامح ومنابع اللاتسامح .. فرص التعايش بين الاديان والثقافات، وايضا كتاب: تحديات العنف، وكلاهما للكاتب نفسه.

 ***

ماجد الغرباوي

 

ثمة اكثر من سبب وراء كثافة الكتابة الايروسية، في عصر ما بعد الانترنيت. واكثر من وجة نظر لتفسير هذه الظاهرة. فهناك من يرى في النص الايروسي ثورة على الواقع، وتقويضا للتابوهات الظالمة ضد المرأة. 

وآخر يرى فيها نزقا وابتذالا وتمردا على قيم المجتمع والدين. بينما يعتبر ثالث هذا النص الرائد في فضح المستور، والمخفي، عالم ما وراء القيم والاخلاق المفروض بالقوة على المجتمع. واليه يعود الفضل في تسليط الضوء على مساحة واسعة من شرائح اجتماعية يفترض انها تتصف باعلى مقومات الفضيلة والاخلاق. غير ان النصوص كشفت عكس ذلك، بعد ان فضحت فنون الممارسات الجنسية التي ترتكب بالخفاء، وعلى نطاق واسع. ومن ينظر البعد الفني، يتجاهل موضوع النص لينشغل في تقيم الاداء الادبي، وقدرته على الابداع، واستقطاب المتلقي. فيحاكم النص بآليات نقدية بعيدا عن الاخلاق والقيم.

ثم ان الكتابة الايروسية ابتلت بازواجية لا مثيل لها، ففي الوقت الذي يتمادى فيه الرجل في وصف الجسد، يتحول الوصف على لسان المراة عملا مبتذلا وتحديا سافرا للاخلاق والقيم ... للذكر الحق في توظيف الجسد في النص، على لسانه او على لسان المرأة، والكاتبة يجب معاقبتها حينما تفتخر بانوثتها، او تلجأ لثيمة الجسد في نصها. فليس هناك احكام مستقلة حيادية في نفسها، وانما هناك تسلط ذكوري يفرض نفسه من خلال القيم والاخلاق.

هذا التقاطع في تحديد الاسباب جعلها موضوعا شائكا، ملتبسا، مما اضطر بعض الباحثين التفرغ لدراسة الاثار والنتائج والتداعيات المترتبه عليها، في بعدها الاجتماعي، الاقتصادي، والاخلاقي. فكانت النتائج مذهلة حينما نعرف ان هذا النوع من الكتابة سجل اعلى المبيعات في العالم. وان نسبة القارئ الشاب اكثر من غيره، ونسبة الاناث اكبر من الذكور. وتجلياتها الاخر في المرئ والمسموع (الفلم، الفديو كليب، النت) كان الاعلى نسبة من المشاهدين. وسر هذا الاقبال الكبير هو الاثارة العالية، للغرائز الجنسية. وهذا ليس بالضرورة تفسخا وانحطاطا ورذيلة، وانما طبيعة البشر، تنجذب للاثارة، وترغب بها بشكل مذهل، من هنا كانت الاخلاق والدين وازعا لتهذيبها  والتحكم بها. حتى صنفتها التقاليد والاعراف ضمن الافعال الرذيلة والمستقبحه علنا كاجراء لتحجيمها. وحاصرت طقوسها داخل اسيجة غرف النوم والصالات الخاصة. كما ربطت بين تفشي الجنس وانحطاط المجتمع، في اجراءات احترزاية من اجل صيانة الفرد وحمايته.

وفي الوقت الذي تجد الكتابة الايروسية من يؤدها باقصى مدياتها، نجد هناك من يقلق على مستقبل المجتمع ويؤرقه مستقبل المرأة ذاتها. واذا كان الطرف الاول يتشبث بالحرية الفردية، فالثاني يلوذ بها من جانب اخر. جانب التاثر بتداعياتها العنيفة. فالكتابة الايروسية الحديثة جعلت من اللذة مبدأ وقيمة مستقلة، لتقيم كل شيء، واتخذتها ذريعة للتمرد على كل ما يعيق ظهورها. كما وظف النفعيون هذا اللون من الكتابات لجني الارباح الفاحشة، مستغلين نهم الانسان للجنس والجسد. وكلما كان الجنس مبتذلا كلما تفنن هؤلاء باستخدام وسائل اكثر اثارة وشدا.

واذا كانت بعض الكتابات الايروسية تهدف الى انسنة المرأة، وتعزيز مكانتها، راحت كتابات اخرى تختزل المراة وتحط من قيمتها، من اجل لذة الجسد وشهوته. بل هناك من تقايض كرامتها مقابل الاستمتاع بلقطة جنسية ممتعة، متناسية مكانتها الانسانية. والاخطر حينما يتمادى النص في (تشيئة المرأة) حد الاستلاب، والشعور بالدونية، مما يقوض كل الجهود المبذولة من اجل استعادة كرامتها.

ان المسارات الجديدة للكتابة الايروسية هي التي فرضتها بقوة على بساط البحث، فتناولها النقاد والباحثون باسهاب وما زالت بحاجه الى مزيد. ومن نفس هذا المنطلق قررنا في صحيفة المثقف فتح ملف: ظاهرة الكتابة الايروسية عند المرأة. من اجل تسليط الاضواء على ما تبقى من نقاط معتمه في البحث. وبلورة اراء جديدة حولها. وبالفعل اتصفت البحوث والدراسات التي شاركت في الملف بالعمق والموضوعية، ووضوح الفكرة، وقوة الرأي.

لا يسعني وانا اطالع منجز السيدات والسادة، ممن بذلوا كثيرا من جهدهم ووقتهم من اجل دراسة هذه الظاهرة، الا ان اقف اجلالا وحتراما لهم، ففي كل مرة تثبت كاتباتنا وكتابنا كفاءة علمية، ورؤية موضوعية. فلهم جزيل اشكر والاحترام والتقدير

ونأمل ان نوفق لطباعة هذه البحوث القيمة في كتاب مستقبل يصدر عن مؤسسة المثقف العربي كي تعم الفائدة. وسيبقى الملف مفتوحا لاستقابل ماتبقى من دراسات.

ومن الله نستمد العون والسداد

 ***

ماجد الغرباوي - رئيس التحرير

16 / 2/ 2010

الصفحة 2 من 2