كتابات
ماجد الغرباوي: بشرى البستاني شاعرة يرق النسيم لرسائلها
تغرد ، نبض القصيدة
شحوب المعنى
رقة
أناقة الكلمات
تعود معرفتي بالأستاذة الدكتورة بشرى البستاني إلى عشر سنوات مضت، عندما نشرت أول دراسة نقدية في صحيفة المثقف، عام 2012-01-20م. فكانت مناسبة لاكتشاف عالمها الإبداعي، وتحري معالم تجربتها الكتابية والشعرية. اتسمت دراستها بعمق ودقة وبعد نظر، ومقاربة للنص بأسلوب نقدي يمتلك أدواته المعرفية، ويجيد توظيفها. فترىها تلاحق أنساقه المضمرة بمهاره، وما يريد قوله وما يستبعده على مستوى النقد الثقافي، وتتألق في مقاربتها النقدية له، تستنطقه فيبوح لها بنقاط قوته وضعفه. تحاكم صوره واستعاراته ومجازاته، ومدى قدرته على الإداهش، والتعبير عن نفسه كنص أدبي. إنها ناقدة مدهشة في عملية التفكيك والتحليل، تتمتع بثقافة وعمق معرفي، يكشف عن شخصية فكرية ونقدية وأدبية. دأبها الإبداع والعطاء. لقد كان حضورا مفاجئا لشخصية مميزة، اكتشفت بعد التعرف على أبعاد خفية على القارئ أنها صاحبة رأي في مجال تخصصها. ثم راحت تكشف عن شاعريتها رويدا رويدا من خلال نصوصها التي أثرت صفحات المثقف. حداً لفتت انتباه أسرة التحرير وجميع الأدباء، فكان التكريم يليق بها وبمنجزها، وبالفعل بعد مشاركتها بملف يوم المرأة، حظيت بدرع المثقف للثقافة والأدب والفن. لعام 2012 م. رغم حداثة مشوارها في النشر. لكنه حضور مترع بالإبداع والتميز.
في هذا الوقت، حيث الربيع والزهور، وزقزقة العصافير، وانفتاح القلوب على الحب. تواصلنا، حول كيفية إرسال جائزة المثقف، وبالفعل لبيّنا طلبها، فكانت بداية تواصل مع شخصية، شعرت معها بالفخر والاعتزاز. وهكذا بدأنا نتابع ما تنشره، بلهفة وخشوع في محراب الشعر والإبداع. فكانت أول قصائدها على صفحات المثقف بعنوان: الضحية. وكان مطلعها:
يقولون في مدينتها
أن الخيول ترى في الليل
أجنحة الملائكة فتصهل.
سألته: هل ترى الخيول في مدينتكم أجنحة الملائكة؟.
وكما احتضنت المثقف بفخر نصوص الشاعرة البستاني، احتضنت هي بصدق المثقف ومشاريعها الأدبية والفكرية والثقافية، من خلال قوة حضورها، ومشاركتها في الجدل النقدي المستمر آنذاك حول ما يُنشر من نصوص أدبية. ومساهماتها المميزة في ملفات القسم الأدبي، سيما يوم المرأة. كما كانت أول المشجعين على فتح باب "هايكو". وبالفعل قدمت عام 2015 دراسة من جزئين بعنوان: "الهايكو العراقي والعربي بين البنية والرؤى". وأثرت صفحة الهايكو بقصائد جميلة. بشرى البستاني من المؤسسين لقسم الهايكو في صحيفة المثقف بمعية الشاعر القدير الأستاذ جمال مصطفى والشاعرة القديرة ميادة أبو شنب المشرف الأدبي آنذاك. ويعود لها ولثلة من الأدباء في تطور هذا الباب.
كانت الدهشة تملأ عيون القراء، مع كل قصيدة تنشرها الشاعرة الجميلة، فانعقد الاجماع تكريمها ثانية، ففازت هذه المرة بجائزة الإبداع الصادر عن مؤسسة المثقف في سيدني – أستراليا لعام 2016. وهي أعلى جائزة تمنحها المؤسسة، يشرف عليها سبعة من كبار الشخصيات الفكرية والأدبية والنقدية. فراحت تزهو بها الجائزة.
بشرى البستاني صوت شعري متفرّد، رغم تعدد الكتابات حول منجزها الشعري. ونصوصها تبقى طازجة، متدفقة، محلقة بألحانها، وتميّز نبرة صورها المعبرة عن مشاعر المرأة المتيمة بالحب بالوطن بالحياة . تنساب بين أناملها الكلمات وتغفو على أوتارها النغمات، تسمو وتسمو، تتألق في صورها الشعرية. تلهب مشاعر قرائها، وتُسكر سامعيها، أنها لحن غافٍ، وموسيقا ساحرة، تخذلني الكلمات وأنا أكتب عن بشرى. هي شلال تغمرك بألحانها حينما تنشد شعرا. تردد كلمات في أعماق الروح. دمها ينبض شعرا وحبا وجمالا، ورشاقة كلماتها تحكي رشاقة أسلوبها. تنأى عن الابتذال، وتحتفظ بمكانه مميزة لدى قراءها وطلابها، وكل من يقرأ لها.
اكتوت الشاعرة د. بشرى البستاني بنار الحرب. وترك الغزو جُرحا في أعماقها، لا يندمل مهما بكت العراق في قصائدها، ومهما سالت دموعها. تشهد لها قصائدها وهي تتدفق مشاهد باذخة يطغي عليها الحنين والألم. ثم عاشت غربتين، غربة التخلف التي سادت مدينتها الموصل، وغربة المنفى الطوعي، تقول:
فتبكي جروحي
وأنسى الذي كان ما بينَنا
من مَلامْ ….
والجبالُ تلوبُ: العراقُ،
العراقُ متاحفُ نخلٍ، مرايا، وعاجٌ
**
والعراقُ عباءةُ أمّي،
وثوبُ العذارى،
اللواتي يمُتْنَ على السفحِ
من ظمأٍ وأغترابْ.
ولك أن تقرأ تعليقات القراء والأدباء بعد نشرها لقصيدة موسيقى عراقية، وانظر مشاعر الاعجاب والاندهاش. الوطن لا مساومة عليه لدى بشرى، والمرأة همها ورسالتها، وهي تشاهد ما حل بنساء بلدها على يد التخلف الديني والثقافي، فهي منحازة للعراق دائما:
لم يكن من خيارْ..
عراقيةً كانتِ السعفةُ الشاردهْ
عراقيةً كانت الومضة الواعدة
فسلامٌ على الأرضِ في وجدِها
وسلامٌ على وترِ لا ينامْ.
***
ماجد الغرباوي – باحث بالفكر الديني
رئيس تحرير المثقف
............................
* طُلب مني كتابة شهادة بالأستاذ الدكتورة بشرى البستاني، الشاعرة المبدعة، والباحثة القديرة والناقدة الجديرة، فكان هذا النص مشاركة بالاحتفاء بمنجزها. متمنيا لها دوام العافية والعطاء