كتابات
ماجد الغرباوي: الدولة ومبررات العنف لدى الحركات الاسلامية
ثبت ان الدولة الاسلامية هي محور مشروع الحركات الاسلامية قاطبة، فهي حركات سياسية اكثر منها حركات دينية دعوية كما تعلن عن نفسها دائما.
تبقى الاهداف السياسية سببا اساسا وراء تصاعد العنف من قبل الحركات الاسلامية المتطرفة، سواء صرّحت بذلك أم لا، لان (اقامة الدولة) بالنسبة لهم استراتيجية وليس تكتيكا او وسيلة كما توحي به بعض النصوص السياسية، وقد نظـّر للدولة الاسلامية جمع من المفكرين الحركيين من مختلف المذاهب الاسلامية. وكشاهد ننقل نصا صريحا من كتاب الحكومة الاسلامية، ينظّر فيه المودودي لمبررات قيام الدولة الاسلامية باعتباره كان الملهم لسيد قطب في متابعة التنظير لمشروع الدولة الدينية، يقول المودودي:
ان المطالبة بالحكومة الاسلامية والدستور الاسلامي تنبع من الشعور الاكيد بان المسلم اذا لم يتبع قانون الله، كان ادعاؤه الاسلام باطلا لا معنى له.
1- يقرر القرآن ان الله تعالى هو مالك الملك، ومن ثم فهو صاحب الحق في الحكم بداهة، كما يقرر ان تنفيذ اوامر احد غيره، او حكم احد سواه في ارضه وعلى خلقه، انما هو باطل وكفر مبين. والصواب ان يحكم الحاكم بقانون الله ويفصل في الامور بشريعة الخالق بوصفه خليفة لله ونائبا عنه في ارضه.
2- وبناء على هذا سلب الانسان حق التقنين لانه مخلوق ورعية، وعبد ومحكوم، ومهمته تتركز في اتباع القانون الذي سنه مالك الملك. وقد اباح الاسلام بالطبع مزاولة الانسان الاستنباط والاجتهاد وتفريعاتهما الفقهية، لكنه شرط ذلك بالا يخرج عن اطار حدود الله. كذلك اعطى المؤمنين حق التقنين فيما لم يرد فيه حكم صريح من الله ورسوله، على ان تراعي في التقنين روح الشريعة ومزاج الاسلام، لان سكوت الشارع عن اصدار حكمه في بعض المسائل يعني ان للمؤمنين الحق القانوني في سن احكامها وضوابطها. لكن الامر الاساس الذي لا غمة فيه ولا خفاء ان من يترك قانون الله ويؤمن بقانون آخر وضعه بنفسه او شرعه له غيره من البشر انما هو طاغوت باغ خارج عن طاعة الحق، وان من يبغ الحكم بهذا القانون الوضعي، ويعمل على تنفيذه فهو باغ عات عن امر ربه ايضا.
3- ان الحكومات الصحيحة العادلة في ارض الله هي التي تتأسس وتحكم بالقانون الذي بعثه الله على ايدي انبيائه واسمها الخلافة.
4- ان كل ما يصدر من اعمال من قبل آية حكومة تقوم اساسا على شرعة اخرى غير شرعة الله وقانونه الذي جاء به الانبياء من لدن رب الكون والهه باطل لا قيمة له ولا وزن، مهما اختلفت هذه الحكومات فيما بينها من تفاصيل في الشكل والنوع، وحكمها غير شرعي البتة، فاذا كان مالك الملك الحقيقي لم يعطها سلطانا، فانى لها ان تكون حكومات شرعية.
ان القرآن الكريم يرى كل ما تقوم به هذه الحكومات محض عدم لا وزن له ولا قيمة، وقد يقبل المؤمنون – واعني بهم رعايا الله الاوفياء – وجود هذه الحكومات باعتبارها امرا خارجا عن ارادتهم وقدرتهم، لكنهم لا يعترفون بها وسيلة حكم شرعية، وسلطة تفصل في امورهم وقضاياهم، اذ لا يحق لهم طاعة الخارجين على حاكمهم الاصلي (الله) او قبولهم حكما في مجريات حياتهم، ومن يفعل ذلك فقد خرج من زمرة المؤمنين الاوفياء مهما ادعى الاسلام والايمان1 .
ثم اعتبر سيد قطب وجود الدولة الاسلامية شرطا اساسا لتطبيق الشريعة بعد قيام المجتمع او الامة الاسلامية، على طبق المراحل التاريخية للدعوة الاسلامية، لان قطب يفترض التطابق التام بين مرحلة البعثة والراهن الاسلامي، واراد استنساخ نفس الخطوات الدعوية بعد تجريدها من تاريخيتها والقفز على ظروفها. لذا طالب الجماعة المسلمة باعتزال المجتمع وهجرته وعدم الالتحام به تشبها بما حدث للصحابة عندما اضطروا للهجرة بسبب الظروف القاسية التي مرت بها الدعوة الاسلامية واتباعها. يقول سيد قطب في بيان الخطوات الدعوية: (فكيف تبدأ عملية البعث؟ انه لا بد من طليعة تعزم هذه العزمة، وتمضي في الطريق. تمضي في خضم الجاهلية الضاربة الاطناب في ارجاء الارض جميعا. تمضي وهي تزول نوعا من العزلة من جانب، نوعا من الاتصال من الجانب الآخر بالجاهلية المحيطة)2 . ويضيف: (ان اولى الخطوات في طريقنا هي ان نستعلي على هذا المجتمع الجاهلي وقيمه وتصوراته. وألا نعدل نحن عن قيمنا وتصوراتنا قليلا او كثيرا لنلتقي معه في منتصف الطريق. كلا اننا واياه على مفرق الطريق، وحين نسايره خطوة واحدة فننا نفقد المنهج كله ونفقد الطريق)3 . بعد ذلك تأتي الخطوة السياسية وهي قيام الدولة الاسلامية او كما يعبر عنه قطب بـ (سلطان) يكفل تطبيق الشرائع في هذا المجتمع، فيؤكد: (لا بد ان يكون للمؤمنين بهذه العقيدة من سلطان على انفسهم وعلى مجتمعهم ما يكفل تنفيذ النظام والشرائع في هذا المجتمع حتى يكون للنظام هيبته، ويكون للشريعة جديتها .. فوق ما يكون لحياة هذا المجتمع من واقعية تقتضي الانظمة والشرائع من فورها)4 .
غير ان الدولة الاسلامية اصبحت، في ظل التبريرات المختلفة لضرورتها، هدفا برر بدوره استخدام العنف والقوة للوصول الى السلطات او لقيام الخلافة الاسلامية كما في استراتيجية بعض الحركات الاسلامية كحزب التحرير. وكلما ازداد شعور تلك الحركات بضرورة قيام دولة اسلامية تأخذ على عاتقها مسؤولية تطبيق الشريعة ازدادت قناعتها باستخدام القوة والعنف حتى في المجتمعات التي تقوم على الديمقراطية. فعكست النتائج صورة شوهاء عن الاسلام والمسلمين قبل الحركات الاسلامية ذاته. حتى بات من العسير على الشعوب المسلمة اقناع الآخر برفضها هي ايضا للعنف والحركات المتطرفة، ثم سرت عدوى الاتهام والادانة الى الاسلام والفكر الديني، فعمقت ازمة المسلمين امام بقية الشعوب.
بل ثبت ان الدولة الاسلامية هي محور مشروع الحركات الاسلامية قاطبة، فهي حركات سياسية اكثر منها حركات دينية دعوية كما تعلن عن نفسها دائما. ويؤكد ذلك امتهان الحركات الاسلامية للعمل السياسي وعدم الاكتفاء بالدعوة والارشاد وتبليغ الاحكام. وقد تقدم (في مقال سابق) عن بعض الحركات انها ترى اسقاط الانظمة مقدمة لقيام الدولة الاسلامية، التي هي بدورها مقدمة لتطبيق الشرعية، التي تقع مسؤولية تطبيقها على عاتق تلك الحركات.
***
ماجد الغرباوي - كاتب وباحث
..............................
هوامش
* تحديات العنف، ماجد الغرباوي، 2009م، دار العارف، بيروت – لبنان، والحضارية للابحاث، بغداد – العراق، ص 293- 296.
1- النص بطوله نقلا عن: الاسلام دين وامة وليس دينا ودولة، مصدر سابق، ص 269
2 - معالم في الطريق، مصدر سابق، ص 9.
3 - المصدر نفسه، ص 19.
4 - المصدر نفسه، ص 34.