أقلام فكرية
علي محمد اليوسف: غرائبية التفلسف بين الواقع واللامنطق

(كل شيء غارق بالنسبة لنا في هوّة من الظلمات) باسكال
باسكال الفيلسوف اللاهوتي المؤمن حتى نخاع العظم واضع نظرية الايمان بالله براجماتيا في حالتي وجود الله او نكران وجوده. ربما مرت على الكثيرين مقولته الفلسفية الذرائعية انك لو افترضت الله موجودا وتصرفت اخلاقيا وسلوكيا بضوء هذا الايمان ففي النهاية سوف لن تخسر شيئا. والعكس من ذلك انك لو وجدت ان لا اله موجود بالحياة الاخرى فايضا ستكون لست خاسرا شيئا لانك ربحت الحياة الدنيا على حساب لا وجود الخلود.
باسكال اراد خلق توافق وانسجام بين حقيقة لا معنى وجود الانسان وهو ما اخذت به الفلسفة الوجودية الغربية لاحقا والعديد من مدارس الادب في اللامعقول والعدمية والسريالية وغيرها. مع ربط باسكال الميتافيزيقي وجود الانسان الافتراضي بأن الحياة البشرية تدور فيما اطلق عليه نيتشة العود الابدي. ملخصه هو ان ما يحدث ويندثر استهلاكيا في حياتنا سوف ينبعث لاحقا مجددا في دورة وتكرار لا ينتهي ابدا.
بضوء هذه الخلفية التي هي مختلفة التعبير عنها لدى كل من لا يبنتيز عالم الرياضيات الالماني والفيلسوف اللاهوتي الكبير. التي عّبر عنها باسكال في مقولته كل شيء غارق بالظلمات وهي نظرة فلسفية لا ادرية متشائمة تميل جدا الى ميتافيزيقا التفكير الفلسفي كما في الوجودية والعدمية.. باسكال من منطلق خلفية لاهوتية مؤمنة ليست نيتشوية عبّر عنها باسكال أن الحياة الفانية التي نعيشها لا بد أن تنبعث من جديد لاحقا بالخلود الابدي في الجنان السماوية..
العدمية الوجودية التي عبّر عنها باسكال في عدم قدرتنا ومحدودية تفكيرنا فهم الحياة بشمولية من المعنى الذي لا نجد الوضوح التام بكل شيئ مما ندركه او في كل شيء لا ندركه. باسكال انما كان متصالحا مع ذاته في فهمه الوجود بخلفية ايمانية لاهوتية مؤمنة بالله كما ذكرنا. هذه النزعة اللاهوتية عند باسكال لا تلبث ان تصطدم بجدار التدين البراجماتي عنده في ان للحياة معنى وجديرة ان نعيشها.
فولتير والاخلاق
على خلاف من ديكارت نجد فولتير لا يؤمن بالخلود رغم تأرجحة المتناقض بين ايمانه بالعناية الالهية وبين التراجع عنها. فهو يعتبر الخلود لا فائدة منه في تاسيس الاخلاق. اراد فولتير بذلك القول ليس شرطا ان يكون الايمان بالله كفيل ان يمنحنا السلوك الاخلاقي السليم على صعيدي الفرد والمجتمع. وهي نظرة (اكسيولوجية) قيمية اخلاقية صحيحة يؤيدها التطور الانثروبولوجي للاخلاق عند الانسان. فالنزوع الاخلاقي في حب الخير فطرة غريزية عند الانسان هي اسبق على معرفته الاخلاق في مرجعية وصايا الدين المكتسبة. فقد نجد ملحدا اليوم يحمل من قيم الفضيلة والاخلاق وتمسكه بالضمير لانساني النظيف لايجاريها فيه ولا نجدها عند رجال دين متزمتين يتاجرون بازدواجية الاخلاق في سلوكهم الزائف وليس في عامة الناس العاديين.
فولتير الصدف والطبيعة
كما نجد في مقولة فولتير اعتباره الطبيعة هي (فن صرف) وقوامها صنعة تفكيرية هي عبارة غير موفقة تماما قوله على لسان الطبيعة" انهم يدعونني طبيعة وانا فن صرف" هذا تهويم إنشائي لا معنى له من جنبة التلاعب باللغة، لم يكن يجدر بمفكر مثل فولتير يتفوه به. من الممكن ان نعتبر الاعجاز في قوانين الطبيعة الثابتة تجعلنا ندرك الطبيعة على انها فن اعجازي التنظيم والاتساق.
انه لمن الغريب ايضا ان فولتير رغم افكاره المواربة حول أخذه بالعناية الالهية فهو ينقدها وينكرها لاحقا على حساب الصدف. الجدير بالذكر ان العناية الالهية ليست خاصيتها صنع التاريخ البشري الذي هو مسار انثروبولوجي في تطور الانسان تاريخيا. الا يكفي العناية الالهية انها قامت اعطاءنا الطبيعة كمعطى تحكمه قوانين عامة ثابتة لا تتغير، التاريخ تتخلله الصدف التي يسميها المفكر مطاع الصفدي " مراحل غياب التاريخ" اي بمعنى ان مسار التاريخ يبدو مراوحا في مكانه لا يتحرك ويبدو في حالة سبات عميق. بسبب ما يعتور التاريخ من صدف وحوادث غفل غير متوقعة الحدوث. بديهي الاقرار ان الصدف تلعب دورا هاما جدا في صنع تاريخ الفرد والتاريخ الانساني عموما. والصدف لعبت دورا انثروبولوجيا مضادا للطبيعة في تجلياتها الثابتة، لكنها كان لها دورا فاعلا جدا في تقدم او تغييب مراحل تاريخية في مسار التاريخ الخطي الى امام. كما لعبت الصدف دورا مهما في اكتشاف الانسان لقوانين الطبيعة الثابتة التي تحكم الانسان والطبيعة معا حتى في مجال الطب وعلم الفيزياء والكيمياء والفلك وفي مناحي علمية لا حصر لها كانت بصمة الصدف الغفل حاضرة بواقعية اكثر من تجارب الاختراع. حياة الانسان سلسلة من الصدف في تغييبها الارادة الذاتية المزعومة لتقدم التاريخ.
هل المادة تشعر وتفكر؟
أجد من الغرابة أن فيلسوفا تجريبيا وضعيا مثل جون لوك يسقط في مثالية ليس كما عهدناها عنده في نكرانه وجود العالم الخارجي ما لم يتحقق وجوده في تمّثلات الذهن اولا وأن كل شيء بالذهن لا في واقع العالم الخارجي. بل ذهب ابعد من ذلك قوله (من الممكن للمادة ان تشعر وتفكر) ولم يشرح جون لوك كيف؟ واي منهج يقودنا الى تحقق مثل هذه المقولات الفلسفية وهو الفيلسوف المثالي المؤمن بالتجربة العلمية والمنطقية؟ كما ولا يذكر اي نوع من المادة يمكنها ان تشعر وتفكر.
اذا كانت المادة هي صنيعة الفكر المتحقق في الذهن قبل تحقق وجودها المادي المستقل في الواقع والعالم الخارجي كما يؤمن به جون لوك في مثالية متزمتة، فيكون شعور وتفكير المادة في تمثلات الذهن للمادة وليس في قابلية المادة الشعور والتفكير بوجودها المستقل الذاتي في العالم الخارجي. وهذا التعليل الوحيد لتخريج مقبولية مقولة جون لوك الصادمة للعقل انه لا وجود لشيء مادي خارج تمثلات الذهن له اولا. وان المادة تشعر وتعي وتفكر ووصل بالبعض من مؤيدي لوك مثل جانسكي ان قال من المحتمل ان يكون للمادة (مخا) مثل الانسان.!!
السؤال او التساؤل الذي يفرض نفسه حضوريا هو هل تفكير الذهن وتمثلاته لموجودات الواقع وموضوعات عالمنا الخارجي هو الذي له الاسبقية في تصنيعه وجودها المادي المستقل عنا ؟ وهي افتراضية من نوع المثالية الساذجة التي تحاول بدوغمائية فجّة لوي أعناق الموجودات المادية وتطويعها لمقولات الذهن.
لناخذ الافتراضية المثالية السابقة ونتساءل عكسها هل الصحيح هو ان تمثلات الذهن للاشياء والمادة ثانوية على اسبقية موجوديتها الانطولوجية الواقعية التي يصنع حضورها المادي او الواقعي تفكير الذهن بها اولا؟
طبعا تماشيا مع نظرة وفلسفة جون لوك المثالية ان كل موجودات الواقع والطبيعة يتمثلها الذهن اولا ثم يخلع تلك التمثلات على الموجودات فتكون موضوعات مدركة لتفكير العقل قبل تفكير المادة ذاتيا شعوريا وتفكيريا لكن لا نجد لهذا التمثّل حضورا واقعيا. مثل تفكير الانسان بالعقل.
في المنهج المادي لا يمكن الاقرار باسبقية الفكر على المادة، وليس بمكنة المادة ان تشعر وتفكر مثل الكائن الحي ولو اخذنا مثلا بيولوجيا الموجودات في الطبيعة لاصطدمنا بحقيقة ان الادراك والشعور والتفكير هي خصائص عقلية نفسية لا تمتلكها المادة. المادة موجود مستقل لا يمتلك اية ميزة بيولوجية يمتلكها الكائن الحي. فهي لا تشعر ولا تفكر ولا تعي. نموذج ثان من تعبير فولتير الغرائبي قوله " اعبدوا الله، وكونوا امناء وصدقوا ان اثنين زائدا اثنين يساوي اربعة." كما ويعتبر الاخلاق غرائز شاملة فطرية ولقد تلقى الناس جميعا مع العقل هذا اللجام من العدالة والضمير" ص 48 من المصدر.
لا نحتاج كبير عناء الى:
- اراد فولتير اثبات التسليم بوجود الخالق على انه تسليم بديهي لايحتاج تحقق برهانه فهو مثل صحة المعادلة الرياضية اثنين زائدا اثنين يساوي اربعة. فهي ثابتة صادقة لا تتغير ابدا. وهي وجهة نظر ايمانية تصادر البرهان في حشر معادلة الرياضيات التي لا تحتاج برهنة صدقها مع قضايا ميتافيزيقية من الصعب الاحاطة بها والبرهان عليها.
- اخطأ فولتير في تعبيره الاخلاق غرائز شاملة فطرية. فهي أي الاخلاق ليست معطى وراثيا فطريا ياتي الطفل للحياة مزودا بها لحظة ولادته. بل الاخلاق بمعناها القيمي هي السلوك النفسي الذي يكتسبه الفرد من خلال وجوده ضمن عائلة ومجتمع. من الصحيح ان نقول ان نزعة الخير فطرية عند الانسان لكن ليس كل سلوكيات البشر الشريرة هي خيرا ايضا. ولا يصح تعميم نزعة الخير الانسانية على جميع مناحي ومفردات الاخلاق.
ويمضي فولتير بافكاره اللامنطقية المتناقضة في مثل قوله " المساواة هي اكثر الاشياء طبيعية في العالم وهي في الوقت ذاته خرافة" ص48 من المصدر. العبارة يمكنننا أخذ جنبة صحة بها اذا ما اخذنا ان مبدأ المساواة والعدالة كلام قيمي مقبول لكنه غير متحقق او الاصح لا يمكننا تحقيقه مجتمعيا واقعيا. بدليل فولتير يؤمن بأن البشر غير متساوين ولا يمكن لهم ذلك قوله " الجنس البشري لا يمكنه البقاء إن لم نجد ثمة عدد لا متناه من الناس لا يمتلكون شيئا على الاطلاق " ص 48 من المصدر. هذه النخبوية في التمييز المجتمعي الطبقي على اساس من امتلاك الثروة والمال ليست صحيحة وتجاوزها العصر الحديث. ثم لماذا لا يكون تحقيق العدالة والمساواة الا اذا انقسم المجتمع طبقيا بين من يملك ومن لا يملك.
فولتير خاصة في تعبيراته الفكرية الغرائبية يبدو متناقضا متغيرا على الدوام. فهو يأخذ بالصدف الغفل في حدوث الوقائع غير المتوقع حدوثها سواء في حياة الفرد اليومية او على صعيد مسار التاريخ البشري. وهي صحيحة لا يمكن نكرانها. لنجده ينكرها مثلا في اعقاب حادث زلزال لشبونة الشهير المروّع الذي حدث في عام 1755 وذهب ضحيته ما يقرب من مئة الف قتيل. ليعلن تراجعه عن الدعوة للعناية الالهية ويقول على لسان لامتري " العالم لا يكون سعيدا الا اذا اصبح كل الناس ملاحدة".
ديدرو الجوهر والوجود الانطولوجي
الشيء الغريب في تاريخ الفلسفة الفرنسية تحديدا حين تجد انها انجبت عظماء المفكرين والفلاسفة بنفس وقت انجبت التفكير الضحل والتفلسف المجاني السطحي الفقير لدى بعضهم. صحيح جدا أن ليست كل الافكار معصومة من الخطأ لكنها يجب ان لا تكون بتلك السطحية والتناقض المنطقي بالطرح. فمثلا نجد ديدرو يتحدث عن الاشكالية الفلسفية بين العرض والجوهر التي كان ارساها كانط ومن قبله اسبينوزا في التفريق الادراكي بين الصفات الخارجية المدركة في الاشياء وبين الجوهر المحتجب غير المدرك في باطن تلك الاشياء والموجودات.
يعبر ديدرو بتفكير اللاادرية قائلا " لا توجد في عالمنا سوى الصور – يقصد الاشياء في صورها الخارجية اي بصفاتها البائنة المدركة بالحس - اما الجوهر فلا اعرف عنه شيئا " ص 49 من المصدر. هذه المقولة صحيحة وملزمة الاخذ بها فقد أخذ بها كانط واسبينوزا وعديد من فلاسفة الماركسية والوجودية الفرنسية الحديثة. ان المدرك الاولي في تحقق وجود الشيء هو صفاته الخارجية البائنة فقط واما جوهر ذلك الشيء فهو خارج ادراك الحواس والعقل. ثم هناك اشكالية متعالقة مع اشكالية العرض والجوهر هي ان ليس كل الموجودات التي ندرك صفاتها الخارجية تمتلك خلف تلك الصفات جواهر. مثال ذلك الحيوان والنبات فهي لا تمتلك غير صفاتها الخارجية القابلة للادراك وهي خالية من الجوهر الدفين المحتجب عن الادراك الحسي خلف الصفات الخارجية. من الغريب جدا قول سارتر (الانسان موجود لا يمتلك جوهرا).** وهو القائل ان الجوهر او الماهية تصنيع ذاتي يلازم الفرد مدى الحياة في صناعته لماهيته الشخصية كهوية.
يعقب الفيلسوف الفرنسي المؤرخ لتاريخ الفلسفة الفرنسية جان فال متسائلا هل ان ديدرو استبق النزعة التطورية التي قال بها لامارك ودارون بقوله " اعضاء الجسم تنتج الحاجات، والحاجات تنتج بدورها الاعضاء، وقد استبق ديدرو بذلك لامارك على وجه الخصوص فالتشكل الاصلي عنده يتغير ويكتمل بفعل الحاجة والوظائف المعتادة". ص 49 من المصدر.
لو نحن عدنا الى مقولة " الحاجة هي ام الاختراع " لوجدناها تبدو صحيحة في حساب التكيف البيولوجي للكائن الحي مع الحاجة. وهذا النوع من التكيف الوظائفي بيولوجيا يختلف عن حاجة الانسان لشيء يقوم بتصنيعه لاحقا من المادة او من غيرها. نحاول تفكيك العبارة بما يلي الصحيح والخطأ معا:
- اولا خطأ قول ديدرو "ان اعضاء الجسم تنتج الحاجات". بل الصحيح الحاجات تتطلب التكيّف البيئي والتكيف العضوي البايولوجي مع الحاجات. الحاجات في ضرورة اشباعها لدى الكائن الحي تكون مسؤولة عن التطور العضوي والوظيفي في اعضاء الكائن الحي ليستطيع نيل تلك الحاجات وسد اشباعه لها..
- القول ان الحاجات تنتج الاعضاء صحيحة وسليمة نسبيا. الحاجات لا تنتج اعضاء جديدة بل تنتج تطورات بيولوجية عضوية متكيّفة مع الحاجات. الحاجة لا يمكنها ان تنتج اعضاءا ابدا.
- صحيح يلتقي ديدرو مع لامارك بأن التشكل الاصلي للكائن الحي في تكيفه البايولوجي من اجل حصوله على اشباع حاجته للحاجات وانه يتغير ويكتمل بفعل الحاجة والوظائف المعتادة للجسم هو تعبير سليم.
- الحاجة هي التي تستبق التطور العضوي لدى الكائن الحي والتكيف الوظيفي البيئي وليس العكس.. بمعنى توضيحي الوجود المادي لبعض الحاجات بالعالم الخارجي والاحاسيس الغريزية الفطرية داخل جسم الانسان وحتى عند الحيوان والدافع البيولوجي لاشباعها هي التي تجعل الحاجة سابقة على التطور العضوي لدى الكائن الحي. خطأ ديدرو الذي اشرت له قوله الحاجة تنتج الاعضاء والصحيح ان الحاجة تنتج التكيّف العضوي الوظيفي للاعضاء الموجودة لدى الكائن الحي مع الحاجات التي يرغبها..
- من أمثلة لامارك على أن الحاجة تستبق التطور العضوي البايولوجي لدى الكائن الحي ان الزرافة احتاجت العنق الطويل لسد حاجة الجوع عندها فاصبحت بحاجة الى رقبة وعنق طويل يصل اغصان الاشجار التي تتغذى عليها.
- كما ان الاعضاء لدى الكائن الحي تتطور وتتكيف بتطور الحاجة او انتفائها مثال ذلك نجده لدى النعامة حينما لم تستطع الطيران باجنحة استعاضت عنها بيولوجيا في مقدرة الركض السريع فاحتاجت لسيقان قوية طويلة وسريعة وليس لاجنحة قاصرة على حمل جسمها والطيران بها..وكذلك نجد الانسان عندما ادرك تناول بعض الاطعمة النباتية من غير طبخ انتفت حاجة جسمه للزائدة الدودية.
- في مثال آخر الانسان احتاج الى انتصاب القامة ومغادرته المشي على اربعة في تقليده مشية الحيوان لانه وجد بالانتصاب سد حاجات يحتاجها لا تتوفر له في حال تقليد مشي الحيوان على اربعة. من تلك الحاجات مقدرته على قطف الثمار من الاشجار، وقدرته النظر الى مسافات بعيدة تحيط به.
ويتساءل ديدرو (الا يصح ان نعتبر العالم هو الله؟) فهو يرى على حد وصف جان فال انه اي ديدرو يتصور العالم كانه حيوان هائل او انسان هائل مستشهدا بديدرو قائلا (ما يدريكم ان لهذا العالم مخ كالانسان؟). لا يمكننا الاخذ بهذه التصورات الاعتسافية الغرائبية لسبب ان العالم والطبيعة هما كل غير متجانس في جميع محتوياته ومكوناته فهو حتما يختلف عن جسم الانسان بمحتوياته الكلية الجامعة لكل اعضائه تجانسيا تكامليا وفي امتلاكه الدماغ ايضا بمجانسة انفرادية يحوزها الانسان فقط وتفتقدها الطبيعة بسبب عدم وجود المجانسة العضوية بين مكوناتها ومحتوياتها.
عليه يمكننا القول أن جسم الانسان في مجموع تكامل فاعلية اعضائه بيولوجيا يسيطر عليه (دماغ) مسؤول عن تصريف جميع احتياجات جسم الانسان الغريزية منها او التي هو بحاجة لها في العالم الخارجي والطبيعة. وكذا الحال في جسم الحيوان وجميع الكائنات الحية. نخلص من هذا الى ان المجانسة النوعية لدى الانسان او الحيوان في تكامل جميع مكوناته ومحتوياته العضوية والوظائفية هي مجانسة كليّة تحتاج المخ في السيطرة عليها، لكن اللاتجانس النوعي في مكونات الطبيعة والعالم الخارجي في وجودها المستقل غير الاحتوائي من المحال ان يحتاج الى مخ او دماغ يسيطر على جميع اجزائه ومكوناته ومحتوياته.
***
علي محمد اليوسف
.......................
الهوامش:
* مقتبسات عن المصدر جان فال / الفلسفة الفرنسية من ديكارت الى سارتر/ ترجمة فؤاد كامل/ منشورات دار التنوع الثقافي سوريا.
** في تثبيت عبارة سارتر والتعليق عليها يتبين معنا تناقض سارتر حول الجوهر الانساني . فهو ينفيه ويقر بوجوده في آن واحد.