أقلام ثقافية

محسن الأكرمين: الكتابة بصيغة التمرد على الذات

من الصعب تحويل آهات الذات والآخر إلى كلمات دالة وصادقة، وبلا ثرثرة من سفسطة فلسفية. إنها بحق إنشاء بداية محاولات لينة لتشكيل لوحة تأطيرية يتداخل فيها الماضي والحاضر والمستقبل، والذي لا نعلم ما يخفيه عنَّا جميعا !! من صعب الفهم الكتابة عبر أنساق هندسة (علوية) مركبة لصورة (بورتري) تحتل منَّا جزء من سحر الزمن والمكان وتتجاوز مفهوم العمر المتسرب، وقد تنام الأفكار معنا (أمنا وسلاما)، وتصحو باكرا مع صياح الديك، لإعادة إنتاج مناولات الكتابة بصيغة التمرد.

من السهو استعادة الذكريات، وحضور أمكنة في المخيلة المشتركة لا الفردانية. من الصعب أن نستنسخ تلك الذكريات بتمامها (خيرها وشرها/ فرحها وحزنها)، وألا تغادر نزغ المخيلة العميقة دون إجراءات عمليات التشذيب  والتطهير من أوراق خريف الفسحة الضيقة للكتابة. فلا بد من حمية صحية لرزانة الكتابة، ولما لا التخلص من كل العادات غير السوية التي كانت تركب بروزا نزق الحياة الماضية.

أعلم جيدا أن الكتابة كشف للحقيقة وتعرية للذات  ولو بالهوان الهين. أقر بأن التفكير جزء أساس من (قبر المثقف)، وعالم  مثالي من (نهاية التاريخ) الشفهي. أعلم أن الكتابة مخاض صعب ماكر، لا يولد إلا بألم يوجد بين ثناياه صيرورة متجددة للتفكير، وقد لا يتكرر مثل الموت والولادة.

 أفقه بعلم العلة والسبب نحافة عقلي التنبيهي، وعوز وجداني تجاه منتوجات مصفوفة القيم الأساس، والتي لا تزيد في عصر (الحداثة البعدية) إلا ضمورا متفاقما في سوق العرض والطلب، وتنطيط التفاهة من (المثقف الثرثار) إلى (مواقع التواصل الاجتماعي).  قال محاوري بأسلوب من الاستفهام الاستنكاري المبهم: (لمن أشكو  بثي وحزني؟)، قلت له بأسلوب الإخبار: (ما نشكو بثنا وحزننا إلا لله العلي القدير)، قال: ونعم بالله، العلي القدير.

حين يعاودني الحنين للكتابة مرات عديدة. أكتب، لكل المغاربة أينما يوجدون وحيثما وجدوا. أكتب، عن الوطن الإنسان والأرض، والمستقبل المجهول. أكتب عن برزخ الترف والبذخ،  وأهل الحل والعقد في التخطيط العمودي. أكتب، عن سياسة البؤس بكثرته، وكفاف جيوب التغيير، وعن الرفاه الاجتماعي للجميع. أكتب عن كينونة الإنسان، عن الخير ومحاربة الشر والفساد. أكتب، عن القيم المعيارية والتي فشلنا جميعا في تنميتها بالتجديد والتطبيق المعاملاتي، وتثمينها وفق أنماط التحولات الاجتماعية المتسارعة. أكتب، عن مفهوم الثقة في الوطن والمستقبل، وعن غياب الثقة في السياسي والمثقف والمحلل الإعلامي الرسمي، وعن السذاجة والغباء (الجديد) في صناعة الثقة في المواقع الاجتماعية (الاليكترونية) عبر دعوات شريرة مجهولة المصدر في (الهروب الجماعي) من الوطن !!

هو الوطن الذي نتقاسم هواؤه بدون أداء، ولا رسوم ضريبية. هو الوطن الذي لا نلوي القبض فيه على عدل الاستفادة من ثرواته بالمساواة والكرامة، ولكنا نحمل هويته واسمه بالفخر، و نَفح السجال الهادئ، والترافع المؤسساتي. هو الوطن الذي نتشارك فيه سواسية البكاء بالجمع والإفراد على ضحايا زلزال الحوز، وفيضانات طاطا المدينة، ونشترك فيه فرحة عند نتائج كرة (منفوخة) بالريح !!

 أكتب، عن كل أصنام عابدي كراسي السيطرة، والتحكم في رقاب وأرزاق العباد. أكتب عن فزاعات التخويف من الحرية والحكامة. أكتب، عن الالتزام بالواجب الوطني في صلاح اختيار الصالح من الطالح، لأن الكاذب (الثرثار) لا يهمه غير تحصين (البقاء) والتغاضي عن المهازل الآتية، ونفث سموم الشياطين المفحمة بالشر.

أكتب، إشارة عن ملامح الحكامة وقوفا، ضد كل أصناف الأصنام السياسة والريع (الحلال). أكتب باليسر البسيط لتنمية الوعي بالجدية والنجاعة والصرامة. أكتب، عن تسريب القيم (الأخلاقية والوطنية) نزولا ورمليا (بالتَّمَرمِيدْ). اليوم، نريد ثقافة المراجعات السلوكية، وثقافة البساطة لا ذاك البرج العالي العاجي للنصائح!!!

***

محسن الأكرمين

في المثقف اليوم