نصوص أدبية
كريم عبد الله: إذا سرقتني الحرب، فأنتِ وريثتي

إذا سرقتني الحرب، لا تبحثي عني في ممرّات المشافي ولا تحت أنقاض المدن. ابحثي عني في الورق. أنا، ذلك الظلّ الذي وقع بين سطرين، وترك قلبه ينبض في منتصف القصيدة. لا تصدّقي النعوات، ولا ترتدي سوادًا من قماش. ارتدي حروفي، إنها أثوابي الأخيرة، وشهقتي المعلّقة على حبل الوقت. إذا اختفيت، وكان العالم مزدحِمًا بالرائحة والرماد، فأنا لم أمت، بل تسرّبت من جسدي، كالحبر حين يُغتال من قلمٍ مكسور. لا تبكي على قبرٍ مسمّى باسمي، أنا لست هناك. أنا في الصفحة التي رفّ فيها اسمك كعلمٍ أبيض في ميدانٍ لا ينتصر فيه أحد.
*
أوصيكِ، أن تحتفظي بقصائدي كما يحتفظ العشّاق بصوت المطر، وأن تقرئيها بصوتٍ منخفض، كما لو أني أتنفّس في رقبتكِ. فإن سألكِ أحد: أين ذهب الشاعر؟ قولي لهم: سافر في قصيدةٍ لم تنتهِ. وإن لاحظتِ يوماً أن الشمس تبكي في شقوق الجدران، فتلك روحي، تمشي حافية، باحثة عنكِ.
*
لقد عرفت الحرب جيداً. كان لها أصابع حبيبة، وعيونُ قاتل. نادَتني. فمضيتُ مثل غزالٍ لا يعرف أن الشبكة من حرير. أبقي على روحي في رفٍّ عالٍ من مكتبتكِ، فإنّ الأرواح تموت فقط حين تُنسى.
*
أوصيكِ أن تنجبي لي حياةً من الذاكرة، طفلًا من ضوء الكلام، يسير في الأزقّة وهو يتهجّى اسمي. أوصيكِ أن تضحكي — حتى وأنا غائب، فالضحكُ مقاومة، وأنا يا صغيرتي كنتُ دومًا أحارب بالنكتة وبأبيات الشعر لا بالرصاص.
*
إذا مرّت الحرب من هنا، وأخذتني معها، فدَعيها، لكن لا تمنحيها قصائدي. هي لكِ. أنتِ وريثتي، وصوتي، ويدي التي لن تعجز عن الكتابة، طالما أن قلبكِ ما زال يخفق فوق كل ورقة.
*
توقيعي:
شاعرٌ فقد جسده
ولم يفقد صوته.
***
بقلم: كريم عبد الله
بغداد - العراق