نصوص أدبية

إنعام كمونة: بسّتاتُ جدّي

تقص علينا زيتونةُ جدي ذاكرة وصاياه: أنتَ.. أنّت، معفرةٌ بأنفاس ريقه المتعفف، يحرث بساتين أحلامه بأمشاط ضلوعهِ لاصطياد فُتات رغيفهِ من مليء جبينه، وهو يمسح بصماتِ عَرَقِه برماد غليون عمره، يعدّ جمراتِ الصبر بيد حبيبته المتلفعة نسغ أيامه، ثم ينفض الغبار عن ضفاف الفرات ببندقية صيد الحكمة المثكلة بطاحونة سنينه، ليغرس على اكتاف دجلة حنطة الحنين، يذرُ هشيم عموده الفقري سمادا لقوت هُويته، ويعتكف حفيظة أرضه بمخاض عبرات الماء، لطالما تزهر ملذات عشقه مواااويل لهفة بظلال رمش الوسن، فيهدهد أوجاع الليالي بمواويل الاشتياق: (دللول يا الوطن يا بني دللول..عدوك بالمهد معلول)*، مُقبّلا رائحة التراب بجرأةِ شجن مبللة بدماء احفاده، حتى تغفو سكرات حنجرته بصوت الأرق، وليطفئ بعض من حواس ذكرياته يشعل سيكارة همومه بذات حلم يحترق، فتارة يهز أقحوانة رأسهِ بلَوعّة دخان قلبهِ المتآسي، وأُخرى يُلقّن فراسة المطر بحُسن التضرع، كي يغسل تجهّم الذبول من وجوه السنابل، هكذا سلاسة أشجان جدي صفصاف عتيق الحزن لا يصدأ لحاءُ فروعه ،كلما تلحّ عليه لوعات الرحيل يدروش نوبات الوجع (بستات)* أُنس تربت على مشاعر الطين بزخات أمل، وحين تهز زيتونة جدي جذوع ذاكرتها الموشومة بحنة أيامه يتساقط علينا رطبُ عمرٍ محدودب الصبا، فتُكلمني غصات الإستفهام باكتواء جواب أجوف الصدوح، ألم يفترش جدي عباءته سبط ولائم ليُلقم الجوع من نخيل الفؤاد؟؟
ألم يشعل أكمام شبابه حطبا ليتوسد الدفء سكينة الضيوف باسهاب الكرم حتى تهزأ أحضان خيمته من هزالة البرد!! فيااا للذة وصايا جدي السائغة المذاق، تزهر بكل ما أوتيت روحه من روافد.
***
إنعام كمونة
.........................
* إقتباس من فولكلور تراثي.
* البستات: نوع من الأغنيات التراثية

في نصوص اليوم