مناسبات المثقف
المثقف محطة إضاءة وتنوير
ربَّ تجربة قصيرة تقودك إلى عوالم وفضاءات رحبة لم تكن تعتقد في يوم ما انك ستلجها بهذه الصورة، عوالم تتيح لك ان تفكر بصوت عال وتستنشق كل الضياء المحيط بالفكر الإنساني دون ان تسقط في شرك الوهم والخديعة، فهناك من يصحح لك المسيرة على الدوام في هذه العوالم، دون ان تقمع هذه الومضة التي تضيء في افكارك فجأة، فترى من يحتويها ويؤطرها ضمن ما يوائمها من افكار ومعطيات تنتج عن هذه المخاضات والارهاصات التي يتعرض لها الانسان العربي بصورة عامة والعراقي بصورة خاصة الواقع تحت ضغوط هائلة من الارث الديني وقائمة الممنوعات التي تقمع كل ماهو جديد وكل صحوة من شأنها ان ترسم بارقة امل للتنوير.
ضمن صراع المقدس والمدنس تبرز حالة من فقدان الهوية وتفقد الصورة الوانها الحقيقية فتكتسي بألوان باهتة لايستطيع ان يميز من خلالها الشخص ماهو مقدس وماهو مدنس فالنتيجة سيلبس الكل ثوب المقدس ويصبح كل التراث خط احمر لايمكن المساس به، ان العقل الباحث عن الحقيقة لايستطيع ان يستوعب هذه الطواطم، حيث يبدأ بمحاكمتها ضمن اطار العقل الواحد فهو غير قادر على اشراك الاخرين بما يعتلج في عقله من افكار لسبب وآخر .وفي خضم هذه المعاناة كان لابد ان ينتج الفكر التنويري محطة يمكن للباحثين عن الحقيقة الصعود منها الى مجال البحث والتنقيب الرحب للعثور عن اجوبة لما يدور في دواخلهم من تساؤلات كثيرة .
هكذا كان (المثقف) احدى اضاءات هذا الفكر التنويري، وهكذا ولجتُ إلى هذا العالم الذي لم اشعر يوما بأن له حدود تقمع افكاري وتطالبني بجواز مرور للعبور إلى الضفة الاخرى او تمنعني من تجاوز الحدود المرسومة لي .
كان لابد لي ان ادون تجربتي مع صحيفة المثقف ومؤسستها الرائدة التي استقطبت الكثير من الباحثين والمفكرين والكتاب العراقيين والعرب واتاحت لهم مناخات مثالية في طرح افكارهم ضمن حوارات مفتوحة نتج عنها مؤلفات عديدة تمثل محطة اضاءة وتنوير للفكر الإنساني، ضمن هذا الاطار واقصد هنا اطار الحوار الشفاف الذي تقوده المثقف، كانت لي مشاركة بسيطة مع مؤسسها (السيد ماجد الغرباوي ) ضمن حوار مفتوح يشترك فيه العديد من الباحثين والمفكرين لسبر اغوار الشخص المراد حواره من خلال اسئلة يطرحها المحاوِر، لقد استوقفني هذا الحوار عدة اشهر دون ان اشعر بمرور الوقت وتركت كل كتاباتي لاتفرغ فقط وفقط لهذا الحوار فكانت مخرجاته ان صدر كتابان عن مؤسسة المثقف هما خلاصة هذا الحوار الذي ابرز لي وبشكل لا يقبل اللبس هوية هذه المؤسسة وهذه الصحيفة الرائدة للفكر التنويري بحق، ابتداءاً من مؤسسها وكوادرها المثقفة وانتهاءاً بكتّابها وشعرائها وكل الادباء الذين تعاملوا معها .
هنيئا للمثقف في ذكرى تأسيسها الحادية عشرة فهي انتجت خلال فترة اعوام ماعجزت عن انتاجه الصحافة الصفراء خلال عقود طويلة دون ان نرى نقطة اضاءة واحدة من تلك الصحافة التي سخرها اصحابها للتجهيل والتضليل ونشر السموم التي اعادت المجتمعات إلى القرون الوسطى، (انا لا اقول القرن الأول الهجري) لانه كان اكثر اضاءة من افكار هؤلاء .
مبروك لكل المثقفين ذكرى مولد هذا الصرح الثقافي الذي صار اليوم مرتكزا لانتاج ثقافة متوازنة تحترم عقول الشعوب وتراثها وتسعى لفصل المعتقدات عما علق بها من تراث وتخليصها من كل هذه الشوائب لتقدم للفكر الإنساني إنموذجا فكريا نقيا يمكن ان يكون بداية لطريق البحث ويستند عليه الباحث في كل المجالات .
طارق الكناني
6 – 6 – 2017م