مناسبات المثقف
عشر باقات ورد لصحيفة المثقف
المثقف بين الوعي والوعي الزائف او تزييف الوعي
تحتفل صحيفة المثقف الالكترونية بسنتها العاشرة، وهذا له معناه الزمني والثقافي وتفسيره في التواصل والاستمرار الثقافي ودوره في المشهد الثقافي عموما. عشر سنوات ليست قليلة زمنيا ولكنها في العمر المديد حلقة او فترة قد تكون سريعة او حتى خاطفة. وفي كل الاحوال عقد مضى من العمر وما زالت الجهود ماضية للإنتاج في الابداع والتطور الثقافي والتقني والمجالات الاخرى المرتبطة بمعنى الثقافة والمثقف المبدع او المساهم والمشترك في عمليتها المتنامية، وهذا هو المؤمل والمرتجى.
مرت عشر سنوات، بكل ما لها وعليها، وبكل ما حملت او انتجت، عشر سنوات من عمر الصحيفة، اشتركت فيها اعداد غير قليلة من الاسماء الابداعية المعروفة او الشابة الواعدة، وهي باسمائها تزخر وبإبداعها تزدهر. وفي تطورها وتقدمها تتواصل وتثمر ما تستهدفه من رسالتها الثقافية ودورها وموقعها في عالم مزدحم بالكثير من كل الاصناف والمستويات. ولعلها في هذا الاحتفال تشير او تؤكد على اهمية الرسالة والعمل على حملها وأدائها والتغلب على ما يعترضها او يعرقلها. وهذا في العموم يعني عموما غالبا وفي الخصوص يريد تخصصا مقصودا، يذكر له او يشهد لبقائه وقدرته على التجاوز والتأثير في المشهد والموقف والميدان. وخلالها تمتعت بتنوع لافت وانفتاح محمود، وكأنها متبنية شعارا ليس قديما جدا، دع مئة زهرة او الفا من الزهور تتفتح وتزدهر، وهكذا كانت الصحيفة، منبرا ومساحة وفضاء لكل مريديها ومن راودها محبة ورجاء ابداعيا.
ومع كل هذا اريد الحديث عن او حول الوعي وأهميته ودور المثقف الناقد في تركيزه وإعلائه واستنطاق قدراته في تعميق الدلالة وهدف الرسالة، المعلوم والمكتوم.. وحوله وفيه تقع الوظيفة المنشودة من كل ما يحصل ويحث ويجري فينا وحولنا وما بعدنا. وما هو الوعي المقصود وماذا يعني تزييفه؟.
وأتطرق عاجلا ومساهما في الاحتفال عن ان الوعي كلمة تدل على الفهم والتفكير والموقف من الناس والبيئة التي يعيشها المبدع اساسا، ويعكسها في علاقتها الجدلية داخل نصوصه، ويدعو خلالها وعبرها لتكون منارا ومشعلا مضيئا يتقدم بها ومعها نحو افاق منشودة، تنفع الناس وتخلد منتجها. والمثقف هو الشمعة التي تحترق لتضيء دروب الاخرين، بعد ان وعاها وانعكست عليه صورها ومنعرجاتها. وفي ظل ظروف معقدة ومركبة يكون وعي المثقف مفتاحا، للتغيير او للتدمير. وهنا ما اردت الوصول اليه من ان المطلوب منه اليوم اكبر بكثير، فمساحات التغيير واسعة وما يقابلها ربما اوسع منها ايضا. فأين موقعه وموقفه؟. وفي ظل تموجات وضغوط الظروف المعتمة خصوصا ينبلج اسم المثقف ودوره وقدرته وتأثيره. وتكون مهمته واضحة مع الشعب والوطن في عملية البناء والتغيير والتجديد. حيث يختبر ذلك على محك الحراك والانتفاض والثورة، وتجسير المسافات وصولا الى الطموحات والأهداف المشروعة. وهذا الخضم عبء صعب واختبار معقد لإرادات وخيارات، يتبين فيها وعي المثقف ودوره. حيث ترسم له او يقوم هو برسم ما يتطلب او يتمكن ان يفعل ويطور ويصارع في ظل بحور التناقضات والمحبطات والهوامش القاتلة.
اهمية وعي المثقف في عملية التغيير كبيرة، حيث تظهر الصورة كاملة، ويبدو الحال مضمونا، ولكن الخطر فيه هو ما يستغله في قلب الصورة وتدويرها، والخضوع لمغريات الحاجة او ضغوط الرهبة والتسلط فيتحول وعيه الى زيف، وحينها تكون مضاره قاسية ومؤلمة. ويصبح الحال في مضمار تزييف الوعي الانساني وهدر طاقاته. اذ لا يمكن ان تكون واعيا ومدركا وفاهما وتعبر عن مكونات التخلف والجهل قصدا وعمدا او تحسبا ومنفعة، او تدفع عنها ما يقاومها وتمنع من التخلص منها بأقل ما يؤثر على الثقافة والمجتمع او على الانسان والمستقبل، بلغة ومفردات التغيير والتقدم، حتى تحسب ان ما يريد التعبير عنه امر آخر غير ما هو منغمس فيه ومتورط في الدفاع عنه. ووعي المثقف اليوم ينبغي ان يكون مع مسار التاريخ وصيروته الضرورية وليس العكس، كما هو حال مؤسسات الاعلام والدراسات والسياسات الضخمة التي تديرها مركبات التزييف للحقائق والتضليل للوقائع والتشويش للرؤى والالتفاف وراء المظاهر العابرة والكذب والدجل، النظري او العملي، في الكلمة او في الصورة، في الرأي او في تقدير الموقف. مخجل ومتعب امر من يسمون انفسهم مثقفين ومفكرين ويرتمون في احضان هذه المؤسسات ويروجون لها ويدعون ما لا حق لهم وعليهم فيها. اذ ان هذا اغتيال للعقل واغتصاب للحق وتدمير للوعي، وهو ما يحصل امامنا اليوم في واقعنا العربي خصوصا، اما خارجه فحدث ولا حرج عن استثمار الزمار وموسيقاه.
ليس الصمت على المقموع والمسكوت عنه مبررا، وليس الترويج للقامع والمستغل والمستبد له تفسير مقنع غير ما يدين صاحبه ويضعه في مصاف صنّاع الفتنة ومنتجي الخراب. وهو ما يوغل في الحروب والاقتتال ويوغر في غسيل الادمغة وانكسار القلوب.. والمناورات بالكلمات الثورية والمصطلحات المترجمة لا يغيّب المعنى المستهدف ولا يخفي الموقف الحقيقي. والقابض على الجمر له حجته في رفع صوته ونشر كلمته في تبديد تزييف الوعي ورفض الاستهانة بثقافة الشعب والأمة وتقدير المدافع عنها بدمه وضميره ومصيره. لغة الاستبداد والغلو والتطرف لغة موت وقتل وصمت مهما كانت حدتها او نبرتها ولغة الناس لغة تغيير واستنارة وتأثير مهما كانت هادئة ومعبرة. وبين الوعي والزيف مسافة، وقاطعها هو المثقف المدرك والهادي والمنارة للأجيال والثقافة والتاريخ.
اعود وأقول للصحيفة: عشر سنوات مضت وعشرات تأتي ومسارات الثقافة التقدمية بخير والمثقف الانسان هو الرائد الناقد والقادر على التواصل ومواصلة الدرب الطويل.
كاظم الموسوي
للاطلاع على مشاركات ملف: