مناسبات المثقف
المثقف في مالها وما عليها / عبد الرضا عليّ
ما للمثقّف كثيرٌ لا يمكن حصرهُ في هذه العُجالة، وما عليها قليل لا يكاد يُذكر، لكنّ هذا القليل يجبُ الوقوف عنده.
فممّا لها أنّها أوّلُ صحيفة ٍ الكترونيّة، وَأوّلُ مؤسّسة ٍ ثقافيّة نهض بها فردٌ آلى على نفسه ِأن يتحدَّى الصعاب وحده، ويضحّي بما يملكُ من مال ٍ وَوقتٍ وجهد في سبيل تكوين هذا الصرح المعرفي الذي يُعنى بنشر الثقافة المستنيرة، )ثقافة التنوّع (التي تُشارك بإخلاص في نشر الوعي الجديد، وتساهم في إشاعة ثقافة المواطنة المدافة بالخير والجمال والمحبّة، وجعلها تصبّ ُ في بوتقة بناء آليّة التحوّل المنشود في عراق ما بعد سقوط جدار الخوف، والطغيان.
إنَّ إنشاء هذا الصرح قد جرى على حساب صحّة هذا الرجل المثالي في الإيثار، حتّى أضحى اليوم غير قادر ٍ على السفر بحكم اضطراره لزيارة المستشفى أسبوعيّاً (ثلاث مرات اسبوعيا) ليتمكّن من مواصلة العمل، وجعلنا نتمتّع دون انقطاع بأفياء حديقته الغنّاء، واستنشاق ضوع أزهارها الزاكية التي رعاها (ولا يزال) ليل نهار بنكران ذات قلَّ نظيره، وتواضعٍ جمّ ٍ، و إيثار عظيم لا نجدهُ إلّا عند القلّة من الأبرار المتفانين في خدمة الإبداع والمبدعين.
وممّا لها أيضاً (صحيفة ً ومؤسّسة ً) أنّها استطاعت في سنةٍ واحدة ٍ أن تُكرّمَ أربعة ً ممّن أدركتهم حرفة الأدب والفن من الشيوخ (كان كاتب هذه السطور واحداً منهم) قبل فوات الأوان، وهي مبادرة ٌ ذكيّة ٌ أحرجت القائمين على المؤسّسات الثقافيّة العراقيّة الأخرى وجعلتهم يلوذون بالصمت استحياءً كما نظنّ ُ.
وممّا لها كذلك أنّها آمنت بحريّة الثقافة ودورها الحيويّ في نشرِ الإبداع الهادف بعد سقوطِ ثقافة النوع الواحد، ونظامها الممقوت، فأتاحت للجميع ثقافة التنوّع، وهيّأت لهم حريّة النشر والتعبير عن أفكارهم دونما رقيبٍ أومدقّق فاحص، ممّا أتاح لها أن تُفعّل تطبيقيّاً ثقافة التسامح والحريّة وحقوق الإنسان.
لكنَّ بعضاً ممّن تربّى في أحضان المنظّمة السريّة أيّام جمهوريّة الخوف، ومؤسّساتها الإعلاميّة استغلّوا ثقافة التسامح هذه وحاولوا أن يبشّروا بصرعاتهم المفتعلة تحقيقاً لغاياتهم الشخصيّة في جعلها تبتعد عن أهدافها على وفق قاعدة (أكل الخصوم بالأقساط) فضلاً عن تشبّثهم بكلّ الوسائل من أجل إظهار كونهم كباراً في الإبداع والإعلام، وقد مهّدوا لذلك باصطناع أسماء وهميّة كانت تشيدُ بهم وبمنجزهم عن طريق التعليقات، فانطلت (للأسف) تعقيبات تلك الأقنعة على بعض الكتّاب والكاتبات، فانجرّوا وراءها بحسن نيّة، وبدأوا هم أيضاً يزفّون لهم التهاني تلو الأخرى.
أمّا ما عليها فهو قليل جدّاً كما ألمعنا، لكنَّ أبرز ما يجب ذكره هنا هو التعليقات، فقد أمست شلليّة تسير على وفق مبدأ (شيّلني واشيلك) السيئ الصيت، فاختلط التعليق الموضوعي بالمتزلّف (للأسف كذلك) فحين يكتبُ أحدهم نصّاً يبادر الآخرون والأخريات (ممّن سينشرون نصوصهم لاحقاً) إلى إزجاء التهاني والتبريكات وتوصيف أصحابها بنعوتٍ شتّى يُشم منها رائحة المداهنة والتزلّف والمجاملة، ويذهبُ بعضهم أحياناً إلى إعادة تكرارِ فقرات طويلةٍ من النص المنشور دون احترامٍ لذائقة القارئ، ليقولوا في ختامها كلمةً أو كلمتين، وهنا أسألُ: لماذا يعيدون علينا النصّ مرّةً أخرى في تعليقاتهم والنصّ منشور أمامنا و في الصفحةِ نفسها؟
وتتّضح هذه المداهنة جليّاً في إزجاء المديح المجّاني في عبارات نجدها تتكرّر بين الفينة والأخرى من قبيل: ما أروعك! ... ما أعظمك! ما ....إلخ... فالكلّ يمدح الكلّ، ومن يريد أن يتأكّد فليراجع النصوص المنشورة، فسيجد أصحابها جميعاً يتبادلون المواقع.
أمّا إذا انزعجوا من دراسة ٍ نقديّة أومأت إلى تدليس ٍ أدبي، وكان هذا المدلّس من أصحابهم، فإنَّ أصحاب (الفزعة) يُسارعون إلى لبس أقنعة ٍ لأسماء وهميّة يتخفّون وراءها ليغمزوا من قناة الكاتب بأساليب شتّى، موهمين القرّاء بوجود مثل هذه الأسماء، لاسيّما إذا وضعوا أمام القناع حرف الدال الذي يجيد ارتداءه صانع الأقنعة الكثيرة(؟) بداءةً من قناع (د. عليّ الجميلي) وانتهاءً بقناع (د. سلوى كاشف الغطاء) وهو يظنّ ُأنّنا لا نعرف أقنعته التي تخفّى وراءها ليمرّرَ ما يريد تمريره أدبيّاً أو سياسيّاً حين يغمز من التحوّل الجديد.
لهذا آملُ أن يعيد رئيس تحرير المثقف النظر بالتعليقات، فالنص الجيّد يفرضُ نفسه على واقعنا الثقافي دون حاجةٍ إلى مثل هذا الصنيع، وتوجبُ الموضوعيّة علينا هنا أن نشيد ببعض التعليقات الحصيفة التي أثرت ذائقتنا الأدبيّة بما قدّمته من جرعات معرفيّة أو إبداعيّة، كما في مداخلات الشعراء والنقّاد والكتّاب: سلام كاظم فرج، و سعود الأسدي، وعبد الستار نور عليّ ويحيى السماوي، ود.مصدّق الحبيب، وفاطمة الفلاحي، وسامي العامري، وصالح الطائي، والمهاجر مصطفى، ود. إنعام الهاشمي، وغيرهم، وقد ارتأيتُ أن أرفع لبعضهم، ولرئيس التحرير كذلك (بمناسبة عيد ميلاد المثقف وهي تطفي شمعتها الخامسة) أبوذيّات إخوانيّة لتكون محطّة استراحة ٍلأقلامهم الرصينة، لكنّني آثرتُ أن أنشر الأبوذيّات وحدها لعدم مواءمتها مع هذه المداخلة.
بُوركت المثقف، وتهنئة ً لها وهي تستقبل عامها الجديد(السادس)، وليسمح لي أخي ماجد الغرباوي أن أقبل جبينه الناصع بفم ٍ لم يعرفْ المداهنة، ولا المديح الزائف، شادّاً في الوقت نفسه على يديّ التشكيليّة نوال الغانم التي كانت خير عون ٍ لأبي حيدر ولنا جميعاً، معانقاً أخي القدير سلام كاظم فرج اعترافاً بما قدّمه من نقدٍ حصيف، وآراء حصينة، شاكراً جميع الجنود المجهولين الذين يشاركون في سقي هذه الحديقة الوارفة الظلال بأنهار محبّتهم.
خاص بالمثقف
..................................
الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (عدد خاص: ملف: المثقف .. خمس سنوات من العطاء والازدهار: 6 / 6 / 2011)