مناسبات المثقف
المثقف ... ونصف عقدٍ منير / مراد الصوادقي
أول نص نشرته في المثقف هو "نبضات الأعماق" في 15\6\2006 . وبعده "حبيب الروح" في 17\6\2006، و"أنت لي" في 19\6\2006، و"ترنيمة الإمعان" في 21\6\2006،
و" كيف للحب يكون" في 24\6\2006، و"خريرالأحزان" في 28\6\2006، و"ضياء الروح" في 29\6\2006.
ومقالات "وجوب الإختلاف" في 23\6\2006، و"الإبداع الإسلامي الجليل" في 25\6\2006
و"محنة الوطن العراقي" في 30\6\2006.
وبعدها توالت المشاركات اليومية ما بين المقالة والدراسة والنص وربما تجاوز ما نشرته في المثقف الألفين عنوان. وقصتي مع المثقف بدأت برسالة دعوة للكتابة والإعلام عن نشر النص المذكور أعلاه مأخوذا من أحد المواقع.
"المثقف" إسم جميل لكنه لم يكن مطروقا كعنوان لصحيفة أو موقع، وكان هذا الإختيار فعّالا ومؤثرا وجذابا. زرت الموقع وترددت في الكتابة والتواصل لأني أتلقى الكثير من الدعوات من مواقع وصحف وأنأى عن الإلتزام بالكتابة فيها لعدم وضوح رؤيتها وضعف قدرات القائمين عليها. وعندما تصفحت موقع " المثقف" أدركت أن الإسم على مسمى، فالكلمات التي ترسم رؤيتها ذات منطلقات إنسانية وثقافية راقية، فأدركت أنها ذات مسار متميز وصريح يحوي بشائر النماء والتطور، ولهذا تجرأت على التواصل والدعم لهذا البرعم الناشئ، فليس من السهل أن تؤمن بأن بداية ما ستكون، حيث كان عدد الكُتاب في المثقف آنذاك أقل من عشرين.
فكتبت وحسبت ذلك نوع من المغامرة في صحيفة لا أعرفها ولا أعلم مَن هو صاحبها، لكن تلك المغامرة كانت ممتعة لأن الصحيفة أخذت تتطور وتكبر وتنوعت الأسماء والمواضيع فيها،حتى أصبحت مؤسسة ذات قيمة ثقافية وفكرية مؤثرة في صناعة العقل العربي المعاصر.
ترى لماذا تواصلتُ مع المثقف؟
أولا: المنطلقات الإنسانية السامية
المثقف مشروع إنساني مؤهل للتعبير عن القدرات الإبداعية بأسلوب ثقافي متقدم على غيرها من المواقع والصحف الإليكترونية، ويتفاعل على منبرها عقول ذات قيمة فكرية وعلمية وأدبية مهمة ومتنورة.
ثانيا: الإختلاف
كتبت كثيرا عن الإختلاف منذ ألفين وثلاثة في الصحف العراقية والعربية، ولم أجد صحيفة تتبنى فكرة ضرورة الإختلاف وأهميته لبناء الحياة، وقد لخصت تلك الرؤية في مقالة "وجوب الإختلاف"، وكانت صحيفة المثقف من الصحف المتميزة في التأكيد على أهمية ثقافة الإختلاف وتوظيفها الإيجابي للبناء والتقدم والرقاء. وفي هذا فأن المثقف تؤكد على رؤية حضارية معاصرة وسباقة في واقعنا العربي.
ثالثا: الحرية
من خلال متابعتي اليومية لما يُنشر في المثقف، أرى أنها تتمتع بقدر كبير من الحرية، فلم تمتنع عن نشرما أرسله إليها إلا فيما قل وندر وعلى مدى السنوات الخمسة الماضية، إمتنعت عن نشر ثلاثة مقالات أو أربعة فقط. وهذا يعني أن المثقف تمتلك مرونة واسعة وحرية تستحق التقدير والإحترام، ويبدو أن النوعية المتميزة من الكتاب الذين يساهمون في الإبداع على صفحاتها تملي على القائمين عليها بهذا القدر من الحرية الفكرية في الرأي والتصور والتعبير.
رابعا: السمو والرفعة
المثقف تتسامى على الحالات السلبية ولا يمكن لكاتب لا يحمل رؤية إنسانية وتفهم ثقافي معاصر أن يتواصل على صفحاتها، وأي ضيق في الرؤية والأفق تتهاوى وتنحسر. وهذا السمو الخلاق قد منح المثقف قوة معنوية وفكرية وثقافية خاصة. فلا نجد على صفحاتها تفاعلات سلبية وتصورات ضعيفة.
خامسا: نوعية الكُتاب
أصبحت المثقف تضم شريحة من المثقفين المتميزين في ميادين إبداعهم، وكأنني أستطيع مقارنتها بمجلات مهمة في العقود الماضية والتي أوجدت مبدعين مهمين في الثقافة العربية . وما يميز المثقف إجتذابها للنخب الفكرية والأدبية والإبداعية الأصيلة الصادقة المحبة للمُثل والقيم الإنسانية الراقية. كما أنها إجتذبت العديد من الكتاب في الوطن الكبير وأينما كانوا.
سادسا: قوة المادة المنشورة
وهذا يتفق مع النوعية المتميزة للكتاب الذين ينشرون في صحيفة المثقف، ولقدراتهم الواضحة في الدراسة والتحليل والنظر الموضوعي والعلمي الذي يهدف إلى التبصير بالحقيقة وتقديم المعلومة بأسلوب حضاري معاصر، وأكثرهم يمتلك تقنيات الكتابة وآليات التعبير عن الأفكار بالكلمات المناسبة لها.
سابعا: الأرشيف
تميزت المثقف منذ بدايتها بأرشفة ما تنشره، وحسبتها ستكون مستودعا لما أرسله إليها، لكنها خسرت أرشيفها لمرتين خلال السنوات الخمسة الماضية، ونرجو أن لا تخسر أرشيفها ثالثة، لأن مشكلتنا في مجتمعاتنا أننا لا نؤرشف كما يحصل في الدول المتقدمة، والأرشفة سلوك ثقافي مهم وثمين لأنه يعطي قيمة وقوة للصحيفة، ويؤكد مسارها ودورها في الحياة الثقافية عبر مسيرتها.
ثامنا: رئيس التحرير
نجاح أي صحيفة يرتبط بقدرات رئيس تحريرها على الإدارة والتفاعل مع الكتاب والقائمين على صحيفته، ومن الواضح أن الأخ رئيس التحرير يتميز بقدرات ناجحة وأخلاقيات سامية وثقافة عالية أهلته لأن يكون قائدا ناجحا لهذا المشروع الثقافي الباهر. ونرجو له التوفيق والنجاح المتواصل والعطاء الأصيل.
تاسعا: الرحابة
المثقف صحيفة رحبة، بمعنى أنها ليست ضيقة الأفق أم منزوية في زاوية حادة لا ترى إلا التصاغر والإنحباس في الحفر. فالمثقف صحيفة آفاق مطلقة وتفاعلات إنسانية رحبة ومتسعة كما الكون يتسع. وفي هذا تأكيد على وعيها لطبيعة العقل البشري ومعاني الإبداع الصحيح اللازم لتقوية القيم الإنسانية وتعزيز الألفة المحبة والأخوة والتسامح والسلام.
عاشرا: المواصلة
تميزت المثقف بالتواصل والتحدي لأنها مشروع ثقافي متنامي، وقد مضت في طريق تأكيد الدور والفعالية برغم الصعاب وكثرة المشاريع والصحف الإليكترونية. ففي البداية لم يصدق الكثيرون بأنها ستنجح أو ستحتفل بسنتها الخامسة. وكلما أصابتها أزمة إليكترونية كنت أخشى بأنها قد وضعت أوزارها، لكنها إستطاعت أن تشق طريقها بجدارة ونجاح فائق.
حادي عشر: الخطاب المعاصر
المثقف خطاب ثقافي معاصر ومتفتح، فهي بستان أفكار ورؤى وتصورات إبداعية ثاقبة، حتى في تخاطب إدارتها مع الكُتاب، تقرأ معالم السلوك الخطابي المتحضر وإحترام خصوصيات الكُتاب وتثمين جهودهم ودورهم في المشروع.
ثاني عشر: التحرير اليومي
تبذل المثقف جهدا ثقافيا يوميا، فهي تتواكب مع الأيام ويندر أن تنقطع عن الصدور إلا لأسباب تقنية، بعكس الكثير من الصحف التي تتعثر في صدورها وتتوقف لأيام، وهذا يعكس حسن الإدارة والتفاني في الجد والإجتهاد للوصول إلى ذروة النجاح والتألق.
وهناك الكثير من العوامل الأخرى التي سيتناولها الأخوة والأخوات حتما، وبودي أن أسجل بعض الملاحظات التي ربما تكون ذات فائدة.
أولا: التفاعل
الإبداع مسؤولية حضارية وتاريخية، وتفاعل الكتّاب مع بعضهم يكون أكثر نفعا عندما ينطلق من صلب الإبداع وحسب. فالتعليقات التي نقرؤها نتمنى أن تضيف شيئا نافعا، وتكون ذات تأثير ثقافي، كما نقرأ في صحف الدول المتقدمة.
ثانيا: الإلتزام بالرؤية والمنهج
من أهم أسباب نجاح المثقف إلتزامها برسالتها ورؤيتها ومنهجها، وأي خلل في هذا الإلتزام قد يؤدي إلى نتائج ليست لصالحها.
ثالثا: الإنتشار
لا علم لي بمدى إنتشار الصحيفة ومقروئيتها، لكن يبدو أن الصحيفة بحاجة إلى مزيد من الجهود الضرورية لزيادة مساحة الإنتشار.
رابعا: التحقيقات التاريخية
ربما يكون من النافع تناول التاريخ الحضاري لبلادنا، كأن نسلط الأضواء على مدينة تاريخية ونكتب عنها كل حسب إختصاصه وإهتمامه، فلا نقرأ موضوعات تاريخية معاصرة على صفحات المثقف إلا قليلا.
وفي الختام تحية تقدير وإعتزاز بالمثقف، وتثمين لجهود القائمين على إعدادها وإخراجها بحلتها المرموقة. ومبروك لها الإحتفال بعيد ميلادها الخامس. المثقف التي صارت جزءا من يومي، وبرغم مشاغلي وضيق وقتي، أجد الفرصة لكي أكتب فيها، حتى وصفتني أحد الأخوات وكأنني لا عمل لي إلا أن أكتب وحسب!
وثقتنا عالية بأن المثقف بمشروعها الثقافي المتوهج ستنير مساحات واسعة من العقول وبذلك تصنع الحياة الإنسانية الحرة الرحيمة السمحاء المعطرة بالأخوة والإعتصام بالروح الإنسانية الصادقة.
وللمثقف وأقلامها الواعية عطر المحبة وأريج الأمنيات والبهجة والسرور.
د-مراد الصوادقي
4\6\2001
خاص بالمثقف
..................................
الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (عدد خاص: ملف: المثقف .. خمس سنوات من العطاء والازدهار: 6 / 6 / 2011)