أخبار ثقافية
التكنولوجيا الرقمية.. صون الهوية والثقافة الوطنية
المؤتمر الدولي الأول
النسخة الأولى تحت شعار: "ثقافة رقمية بهُوية مغربية أصيلة"
مؤسسة كش بريس الإعلامية - كلية الحقوق قلعة السراغنة جامعة القاضي عياض - ما بين: 21 /23 نونبر 2025
***
في سياق الوعي المتنامي بضرورة استعادة الفكر لمكانته في زمن التسرّع الرقمي، وتثمينا للرهانات المعرفية التي حملتها الندوة المشتركة “في سوسيولوجيا الإعلام والرقمنة” بكلية الحقوق بقلعة السراغنة، تتجدد اليوم الرغبة في توسيع فضاء السؤال السوسيولوجي نحو أفق أرحب، حيث تتقاطع التكنولوجيا بالهوية، والرقمنة بالثقافة، والعلم بالمعنى.
مؤتمر “التكنولوجيا الرقمية.. صون الهوية والثقافة الوطنية” لا يأتي بوصفه فعلاً أكاديمياً فحسب، بل كفعل تفكيري تأسيسي يروم إعادة صياغة العلاقة بين الإنسان والتقنية، وبين الوطن والرقمنة، في عالمٍ يهدّد فيه الذكاء الاصطناعي نُبلَ الذاكرة ودفءَ الانتماء.
ينعقد هذا الحدث العلمي، في دورته الأولى، ثمرةً لشراكةٍ مثمرة بين مؤسسة كش بريس الإعلامية وكلية العلوم الاقتصادية والاجتماعية والقانونية بقلعة السراغنة، جامعاً بين رحابها نخبة من المفكرين والعلماء والفنانين والباحثين من مجالات القانون والإعلام والآداب والفنون وعلم النفس والاجتماع والترجمة وعلوم التربية، ومن دولٍ عربية وغربية متعدّدة، من بينهم : منصور مالك (من بريطانيا)، وصبحي حديدي (سوري مقيم في باريس)، وعادل القرباش (تركي من أصل عراقي)، وبالزين شفيع (من تونس)، ولحسن ولد ماديك (من موريتانيا)، و عمرو عكاشة (من مصر) ومحمد حسب الله فضله (من التشاد)، بالإضافة إلى المغاربة : محمد الغالي ومصطفى غلمان ومحمد الدريج ومحمد ايت لعميم ومحمد بديع البوسوني وعبد الصمد بنشريف ومريم مكرم ومصطفة المريزق ونوح رابي وعبد الكبير الميناوي وفاطمة الزهراء اشهيبة وفاطمة حسيني ومحمد حركات جمال الحافظ …وبحضور شرفي للوزير المنتدب لدى وزارة إدارة الأراضي المكلف باللامركزية بدولة التشاد الدكتور أحمد عمر أحمد.
وابتداءً من 21 إلى 23 نونبر الجاري، تتحول كلية الحقوق بقلعة السراغنة إلى مختبرٍ مفتوح للأسئلة الجوهرية حول معنى الرقمنة، ومصير الهوية في زمن التكنولوجيا، وحدود الذاكرة في عصر الذكاء الاصطناعي. فليس المقصود من المؤتمر البحث عن أجوبة نهائية، بل استعادة السؤال بوصفه فعلاً مقاوِماً للنسيان، وإحياء التفكير بوصفه أرقى أشكال المواطنة الفكرية.
أرضية النقاش:
من البدهي أن تكون عملية الاتصال والوصول في مجتمع الشبكة اليوم، فارقة ثقافية اجتماعية وسوسيولوجية، تعيش مرحلة التعايش الحذر، أو ما يسمى ب"مرحلة الكتلة الحرجة"، أولا لأنها انخلقت من عوائد تقليدية نمطية، ليست لها جذور إعلامية ذات أسس أخلاقية ومهنية متينة، وثانيا لأنها انبرت عن فواعل نخبوية محدودة، تشكل كتلة النخب المعلوماتية والثقافية والاجتماعية جزءا من مكوناتها.
من هذا المنطلق، كان الوصول إلى الشبكة بكفاياتها المحدودة والمنمطة، يشغر جانبا من الفهم لا يتعدى المسلكيات الأولية للاتصال والإعلام، ما جعل من مسألة التوجيه والامتداد في المجتمع يأخذ منعطفا محذورا في انتشار المعلومات وضبطها واستيعابها.
وفي بؤرة تطور المجال واختراقه لحواجز البث التكنولوجي والانتشار المتسارع للشبكات الإعلامية والثقافية والاجتماعية، صارت الأغلبية المتأخرة متساوقة ومتطلبات العصر الجديد، وصار من السهل الحكم على الانتشار إياه، يأخذ أبعادا، خصوصا في بنية اقتصاد الهواتف المتنقلة وعوالم الكمبيوتر والحاسوب، التي أضحت تغزو العالم الثالث بشكل مخيف، يسائل مصير قلقنا المشروع حيال بروز مشكلات "عدم المساواة البنيوية في مجتمع الشبكة" وتأثيراتها في بنى الثقافة والمجتمع والهوية.
وصورة عكسية متباينة أخرى بإزاء ما سبق، حيث يعيش مجتمع الرفاهية في العالم الآخر، وضعا أقل توجسا وتعاندا، حيث تنحصر استعمالات الشبكة في الحدود المعقولة للترفيه والتسلية وملء الوقت الشائط، رغم امتلاكها لأدوات الترديد والتعبئة، حيث إن عددا منها يعيش عبر مسافات نائية على إيقاع استخدام علاقاته وفق أساليب الحياة المتنقلة، وبمهارات تتقاطع فيها درجات التعلق والتفاعل والاكتراث.
صحيح أن الفضاءين، يتخلفان في معايير مركزية تحليل مثل هذه الظواهر، فنوازع تبيين الشبكة في الأولى غيرها في الثانية، وهما معا يشكلان علامات استقطاب وتداخل كبيرين، ويحيلان على مديات تنظيمية وقيمية متقاطعة، كما هو الشأن بالنسبة لقياس درجات الاحتكار والقابلية، ووقوعهما ضمن مفاهيم معقدة في "الاقتصاديات الرأسمالية" مثلا، والتي تحتاج منا وقفة ليس هذا وقتها.
ولعل أكثر التحليلات معقولية وتجردا، ما ذهبت إليه نظرية تأثير قانون القوة (تأثير ماثيو)، التي تشير إلى أن "التوزيع الذي يوجد به عدد صغير من الجهات الفاعلة التي لها روابط قليلة فقط، غير متكافئ يزداد عادة في الشبكات، ما يزيد الأثرياء ثراء".
ومن الإنصاف ها هنا إعادة تجسيد مقولة ابن خلدون التي تشير إلى أن أطوار البناء البشري تقوم على أضلع خمسة بثلاثة أجيال فقط، فالجيل الأول يقوم بعملية البناء والعناية، والجيل الثاني يسير على خطا الجيل الأول من التقليد وعدم الحيد، أما الجيل الأخير فيمكن تسميته بالجيل الهادم، في تقاطعها مع (تأثير ماثيو)، مع التمييز المنهجي لمفهوم "الجيلية" وعلاماتها واستتباعاتها في بنية المجتمع القديم والحديث.
لكن، وبإزاء هذه التدافعية الفكرية بين ماثيو وابن خلدون، ثمة ما يؤسس طفرة الوثوقية الجديدة في العالم التكنولوجي، الذي يجعل من التأثير قوة قاهرة لاستدامة التقليد وإنعاش الهدم الحضاري والثقافي على حساب تخلف العقل وتداعيه. فالبناء والعناية الماضيين، ينحرفان تحت واقع (التأثير) الاستبدالي المراوح لقوة التكنولوجيا والاقتصاد والإعلام، وهيمنة السياسات الرقمية المدعومة من أجهزة التجسس والعسكرة والسلاح.
فهل تشحن ثقافة الشبكية الجديدة، أنفاق الشك غير المستقرة، والمتناقضة أحيانا، كأمور مسلم بها، بعبارة دريدا؟ أم أن عالما آخر، أكثر عدوانية من ثقافة الترحال الافتراضي، سيتشكل بإيقاعات فتاكة ومروعة، ستحيل الصداقة الإنسانية والتعايش الكوني، إلى كابوس "فناء الروح" و"موت الرحمة" ؟. وهل يكون مستقبل التفكير في مواجهة الاختراقات الشبكية لمنظومة الأخلاق المجتمعية، ومخلفات التفاهة اليومية الكاسحة، مجالا لتحصين أجيالنا الصاعدة من الانحراف والتحولات السلبية في مستوى منظومة القيم؟.







