تقارير وتحقيقات
ناجي ظاهر: مُخرجٌ في القِمّة
اعتبر الفنان المخرج المسرحي فؤاد عوض، ابن مدينة الناصرة، ومدير مركزها الثقافي البلدي على اسم الشاعر محمود درويش، اعتبر هذا العام الوقف على نهاياته، عامَ خير وبركة، موضّحًا انه بلغ فيه إحدى قمم عطائه في مجال تخصّصه ومهوى قلبه.. المسرح، مضيفًا انه شهد حدثًا غير عادي في حياته، تمثّل في ولادة حفيدته الأولى ليلى بكر نجله الأكبر طارق.
في حديث معه قال عوض، إن العام الجاري شهد ولادة ثلاثة أعمال مسرحية، قام بإخراجها وساهم بإعداد الديكور فيها حينًا وبالإعداد المسرحي حينًا آخر. هذه العمال هي:
- صغير الفيل العنيد:
مسرحية ممثلين وشخوص حيوانات: مِن انتاج "مركز يللا للثقافة الفنون، بإدارة الفنّان أحمد دخان، وتتناول في محورها المركزي فكرة التمرّد على نصائح الاهل وتوجيهاتهم، نشوءًا بالتمرد على ما يقدّمه هؤلاء للأبناء من اطعمة، تسلسلا إلى تمرد الأبناء على كلّ ما يتعلّق بأواصر علاقتهم مع اهاليهم. أما الفيل الصغير فإنه يبالغ في تمرّده هذا، فيتمرد على ذاته أيضًا، وذلك عندما يخرج من بيته للبحث عمّا يود أن يكون عليه.
ويلتقي خلال رحلته هذه بالعديد من الكائنات، منها قرد وسعدان، إلا أنه لا يستطيع أن يخرج مِن جلده، كما خُيّل له، ليكون غير ذاته، ما يولّد مواقف حافلة بالتخبّطات والمخاطر المتفتّقة عن أفعاله غير المدروسة وغير المنطيقة.. الامر الذي يُسفرُ عن مواقفَ كوميدية مضحكة. المسرحية من تأليف الكاتب العربي المصري وليد كمال، سينوغرافيا وإخراج مسرحي: فؤاد عوض. تمثيل: سلام هيبي، نور حريري، وتونا أبو شحادة. الحان وموسيقى: معين دانيال، تصميم وتنفيذ ملابس: توفيق سعيد، تصميم وتنفيذ أقنعة حيوانات: ساشا تشرنر، تقنيّات، اضاءة وصوت: نزار خمرة. مساعدة العرض: اريج عمر.
-عِلّية ستي:
وهي مسرحية موجّهة بالأساس للأطفال: من إنتاج "مسرح الخَيال"، بإدارة الفنان محمد عودة الله- مناذرة، وتدور أحداثها حول العلاقة الطيّبة الدافئة بين الجدة وحفيدها، هذا الأخير يجد نفسه، بشكل يوميّ، في حالة انكشاف على قصص، حكايات ومغامرات مدهشة، ويعجب الحفيد بمعطف مغامرات جدته أيام كانت طفلة، وذلك حين تقوم جدته بروح الخيال وقوة المرح التي تختزنها، فتأخذه في رحلة خيالية لاكتشاف ذاته وانتمائه الفولكلوري والثقافي الدفين هناك عميقًا في نفس الجدة. المسرحية معدّة عن قصة الكاتب الأمريكي سيمز تباك، وقامت بأداء شخصية الجدّة وتفعيل دُمية الحفيد بإبداع واقتدار الفنانة الممثّلة سُعاد زعبي. إخراج: فؤاد عوض، مساعد مخرج: نجدة مناذرة، موسيقى والحان: معين دانيال، وبناء الدمى: ليزا شور.
في حديثه الدافئ عن هذه المسرحية، عقّب مخرجها عوض قائلًا، إنها جاءت تأكيدًا وتعبيرًا عن فرحته الغامرة بولادة حفيدته ليلى، لابنه طارق وزوجته جوان، في الرابع من أيلول الفائت. منوّهًا أن ولادة هذه الحفيدة انارت في حياته.
-ع الحلوة والمرّة:
من إنتاج "مسرح إنسمبل فرينج- الناصرة"، بإدارة فنّية من الفنانة المُمثلة خولة الحاج دبسي، إدارة الفنان المخرج السينمائي قاسم شعبان. تستعرض المسرحية تجربةً متشعّبةَ الاحداث والفعائل، وتدور بين زوجين، من شرائح مجتمعية عنيفة ومعنّفة. هذان الزوجان يواجهان مشاكل وعقبات متنوّعة ومتعدّدة، تنعكس سلبًا على حياتهما الزوجية المشتركة الطريّة. وهي تفتح باب الحوار راجية تجاوز الماضي المُعنّف لكلا طرفي الزواج، ورانية إلى نوع من المُصالحة القائمة على المحبّة والتضحية، من أجل مواصلة العيش بأمن وسلام. وهي كما يقول مُخرجُها تحفر وتنبش في أرض الخلافات الزوجية المتفشّية في مجتمعنا، وتحاول، بقوة وإصرار، إثارة موضوع هذه الخلافات، والتفكير الجديّ فيه، تمهيدًا لإيجاد الحلول الملائمة. المسرحية كتابة الدكتورة: كرمة زعبي. تمثيل الفنانين: أمجد بدر وربيكا تلحمي.
مُخرج هذه الاعمال المسرحية خلال السنة الجارية الفنان فؤاد عوض، يعزو بلوغه إحدى قممه العالية في العمل والحياة أيضًا، إلى أمرين أحدهما إخراجه ثلاث مسرحيات في سنة واحدة، والآخر ولادة حفيدته الغالية ليلى، كما سلفت الإشارة.
يتحدّث الفنان عوض عن الأجواء المسرحية السائدة في البلاد، معبّرًا عن عتبه على معظم إدارات المسارح العربية المحلية، قائلا إنه لا يجوز أن يقتصر عمل هذه المسارح، كما هو حاصل، على تقديم العروض النهارية لطلاب المدارس فقط، منوها أن وظيفة المسرح، كانت وما زالت وستبقى، كامنةً في اثارة القضايا المُجتمعية الساخنة- الاجتماعية منها والسياسية بالطبع، فإنه لا يصحّ أن يضحي همّنا كأصحاب ومديري مسارح، هو كمّ عرضًا قدّمنا خلال العام الواحد للحصول على المزيد من الميزانيات، على حساب المستوى الفني النوعي المركب.
إجابة عن سؤال يقول المخرج فؤاد عوض، إن الحرب الجارية على غزة، انتجت وضعًا جديدًا غير مريح بالمرة للمسارح العربية تحديدًا، تمثل برسائل التهديد والوعيد الرسميّة، لكلّ مَن يُعبّر عن رأيه أو موقفه من هذه الحرب، وذلك بقطع الميزانيات عنه، وقارن هذه التوجيهات بمواقف ارتبطت بوزارات ليبرالية سابقة، (فترة الوزيرة شولميت الوني مثلًا)، اكّدت حرية المسرح في تقديم ما يراه من مضامين، وانتقد عوض ما تبديه العديد من إدارات المسارح، من خضوع وخنوع للسياسة المجحفة المذكورة، موضّحًا أن هذه الميزانيات حقّ لنا ويقف وراءها دفعُنا للضرائب، وكلّ ما يُطلب منّا من التزامات ضريبية، وليس منةً مِن أحد بأي حال من الأحوال. " إن طأطأة الرأس من قبل المسارح المُلمح إليها ليس في مصلحتها وليس في مصلحة تطوّر مجتمعنا العربي وتقدّمه.
فؤاد عوض يعمل حاليًا على إعداد مسرحية عن أحداث غزة، في جانبها الإنساني القهري تحديدًا، وتدور أحداثها حول طفلة تبحث عن دُميتها المدفونة الغائرة في ركام بيتها الذي هدمته الطائرات المُغيرة." إذا لم يقبل أو يرضى أي مسرح إنتاج هذه المسرحية، فإنني أفكر في إنتاجها بصورة شخصية.. على المسرح ألا يقف مكتوف اليدين في حالات الحرب وما يواجهه المجتمع، أيًا كان، من آثار الحرب المُدمّرة.. للإنسانية والانسان.
مِن هذا المنطلق المسؤول والمُدرك لرسالة المسرح التوعوية، يقول فؤاد عوض، إنه عندما يفكّر بإخراج مسرحية كلاسيكية مثل "عُطيل" لوليم شكسبير، أو مسرحية، يرجو التمكّن منذ سنوات، من إعدادها وإخراجها للمسرح، مؤسسة على رواية "الشيخ والبحر" للكاتب الأمريكي المُبدع ارنست همنجواي، فإنه إنما يريد ويرمي لأن يُسقط على هاته النصوص المسرحية إشكاليات الواقع اليومي المعيش للمواطنين العرب في هذه البلاد.
يعتبر المخرج المسرحي فؤاد عوض ر جل مسرح حرا ومستقلا وغير تابع لأي من المؤسسات الثقافية الرسمية الإسرائيلية، لذا فانه يختار اعماله المسرحية بدقة متناهية، وان كانت لا تتوافق والإملآت السياسية التي تفرضها السلطة الحاكمة. إجابة عن سؤال.. يردّ قائلًا، إنه راضٍ كلَّ الرضا عن حياته مع المسرح وعن عطائه فيه، فهو موجود مع إخوانه من أهل المسرح والفنّ في العديد من البُلدان العربية المجاورة، وحتى في بلدان أوروبية أخرى، فهو يستقبل بين الحين والآخر دعوة للمشاركة في لجنة تحكيم مهرجان كبير في هذه الدولة أو تلك، ناهيك عما يحظى به من تكريمات، تؤكّد وجوده وحضوره المسرحي الفعال، وعالي المقام.
***
تقرير: ناجي ظاهر