كتب واصدارات

المشترك القيمي والفكري والتاريخي بين الإسلام والغرب

ودوره في صناعة السلم الدولي

إصدار جديد لمركز الحكماء لبحوث السلام في إطار برنامج الدراسات الأوروبية

***

تعززت المكتبة العربية والإسلامية بمؤلف جماعي يتكون من ثلاث مجلدات، بإشراف وتحرير الدكتور التجاني بولعوالي، وقد صدر في مستهل هذا العام (2025) في القاهرة، وهو يندرج في إطار برنامج الدراسات الأوروبية الذي تم تخصيص مشروعه العلمي الأول لدراسات الإسلام في أوروبا والغرب، بما في ذلك دور الإسلام الريادي في صناعة السلم الدولي. ويركز هذا المشروع على الأبعاد الإيجابية والمشرقة في علاقة الإسلام بالآخر، وهذه الأبعاد عادة ما تُغفل أو تُهمش سواء من قبل المسلمين أو غير المسلمين. ويحدث ذلك إما بسبب التنزيل المسف أو التأويل المنحرف أو التشديد أكثر على جوانب الصراع والرفض والإنكار بدل السلم والتسامح والاعتراف. كما أن الاستشراق الأوروبي التقليدي أسهم في بلورة شرق (وضمنه الإسلام) غرائبي لا يمت بصلة إلى حقيقة الشرق الواقعية، فاستمرت هذه الرؤية السلبية لدى فريق من الباحثين والخبراء الإيديولوجيين الذين يشكلون في وقتنا الراهن تيارا مهما في الاستشراق المعاصر أو فيما يطلق عليه الدراسات العربية والإسلامية التي لا تخلو أيضا من أكاديميين غير موضوعيين.

وفي مقابل ذلك، تراكمت الدراسات الموضوعية التي أحدثت ما يشبه القطيعة مع تلك المواقف سواء الاستشراقية التقليدية أو الأكاديمية المؤدلجة، فانصب الاهتمام على قضايا مغايرة مثل حوار الأديان ونظرية التعددية وجذور الإسلام وتسامح الإسلام والقيم المشتركة وفضل الإسلام وتاريخ الانسجام وغيرها، ويمنح هذا التيار الموضوعي في اشتغاله الأكاديمي حيزا للإمكانات الفكرية والإنسانية والحضارية التي ينطوي عليها التراث الإسلامي، وهي قلّما تشكل موضوع البحث في الدراسات الأكاديمية المعاصرة سواء التي أجراها باحثون مسلمون أو غربيون. وتتقاطع أهداف برنامج الدراسات الأوروبية إلى حد كبير مع التصورات والأفكار التي يطرحها هذا التيار الموضوعي في دراساته للإسلام والغرب، ولا يمكن صياغة مقاربة استشرافية للإسلام في الغرب دون الاستئناس البحثي والتعاطي الرصدي مع هذا التيار، لاسيما وأن إسهاماته في هذا الصدد تظل مشتتة في الكتب والمقالات والحوارات، ولا تصل إلا إلى القلة القليلة من القراء والباحثين والمهتمين.

وقد جاء برنامج الدراسات الأوروبية ليدرس مختلف الإمكانات الأخلاقية والروحية والاجتماعية والحضارية التي يطرحها الإسلام في عالم أصبح يتسم بالخواء الروحي والنزوع المادي وثقافة الاستهلاك، ونحن نؤمن بأنه سوف يأتي الدور على المسلمين للمساهمة بفعالية في حضارة المستقبل، كما ساهم أجدادهم بنجاح في حضارة الماضي.

وقد انطلق المشروع الأول من برنامج الدراسات الأوروبية في سبتمبر 2021، تحت إشراف الدكتور التجاني بولعوالي، ونصل اليوم إلى المرحلة الأخيرة من العمل، وهي إخراجه للقراء والطلبة والباحثين والمهتمين في حلة نهائية تستجيب لمعايير البحث العلمي المعتمدة دوليا. وتتوزع هذا المشروع عشرون ورقة بحثية، اشتغل بها عشرون باحثا وخبيرا يغطون 11 دولة: بلجيكا، إنجلترا، إسبانيا، إيطاليا، ألمانيا، فرنسا، الدنمارك، المغرب، مصر، لبنان، نيجيريا، وينتمون إلى 9 جامعات: جامعة لوفان بلجيكا، جامعة أوكسفورد، جامعة روما، جامعة لويس، جامعة سيدي محمد بن عبد الله، جامعة عبد المالك السعدي، المعهد الألماني للأبحاث الشرقية، جامعة مدريد، جامعة مونبيليه، بالإضافة إلى مراكز بحثية. وقد تم توزيع هذه الأوراق البحثية على ثلاثة أجزاء/ مجلدات، كتب المجلدين الأول والثاني منها باللغة العربية، وحرر المجلد الثالث باللغة الإنجليزية.

جاء المجلد الأول تحت عنوان "قيم ومفاهيم مشتركة تؤسس للسلم الدولي"، وهو يتضمن تقديما للدكتور سمير بودينار، المدير التنفيذي لمركز الحكماء لبحوث السلام، ومقالة تمهيدية لمدير برنامج الدراسات الأوروبية الدكتور التجاني بولعوالي، وسبع أوراق بحثية، وهي: "التراث الفقهي الإسلامي وقيمة السلم" للدكتور عبد الحق الكواني، "المسلمون في الغرب وفقه المواطنة" للدكتور محمد غلبان، "أهل الكتاب وتسامح الإسلام" للدكتور عبد الله عسيري، "وثيقة المدينة ومشروع التعايش في مجتمع تعددي" للدكتور أحمد فهمي عبد السلام، "الآخر اللاديني في المنظورين القرآني والفقهي" للدكتور التجاني بولعوالي، "ثنائية دار الإسلام ودار الكفر وإمكانات العيش المشترك في الغرب" للأستاذ منير بوحوت، "من الجدل اللاهوتي إلى حوار الأديان" للدكتور عز الدين عناية.

أما المجلد الثاني الموسوم بـ "استلهام السياقات المشتركة في صناعة السلم الدولي"، فقد توزعته ثماني أوراق بحثية، وهي: "القدس مدينة التعايش ما بين التملك اليهودي والخصوصية الإسلامية" للدكتورة كريمة نور عيساوي، "المشترك الفلسفي الأخلاقي بين الحضارتين اليونانية والإسلامية" للدكتور محمد المعزوز، "قصة القديس والسلطان واستلهام التاريخ المشترك" للدكتور يوسف نويوار، "المغرب واحتضان اليهود ودينامية التعايش السلمي بين اليهود والمسلمين" للدكتور إبراهيم حمداوي، "مصر والتعايش الإسلامي القبطي" للدكتورة أنوار عبد الفضيل، "التعددية الدينية ومآلات الإسلام في الغرب، السياق الأوروبي أنموذجا" للدكتور ميمون داودي، السِّلم الروحي والأبعاد الكونية للصوفي: مداخل بناء الإنسان الكامل" للدكتور خالد التوزاني، "الرحلة ومعالم البناء الرمزي المشترك" للدكتور الحسن الغشتول.

ويحمل المجلد الثالث الإنجليزي عنوان "القيم الكونية المشتركة وصناعة السلم الدولي"، وهو يتضمن ست أوراق بحثية، وهي: "مفهوما "الأمة" و"الإكليسيا" والتأسيس لتعايش سلمي بين المسلمين والمسيحيين في القرن الحادي والعشرين" للأستاذ ملفين أروا أوغوهي، "الأندلس أنموذج فريد للتسامح والتعايش والتعددية الثقافية"، للدكتور عبد العزيز العمراني، "الإسلام في أوروبا وفكرة الحضارة المتداخلة" للدكتور محمد حصحاص، "التأثيرات الأخلاقية المجتمعية ودورها في خلق حوار واقعي نحو السلام والتفاهم" للدكتور بيرت ليمبريخت، بالإضافة إلى ورقتي الباحثين ميمون داودي والتجاني بولعوالي اللتين كتبتا باللغتين العربية والإنجليزية.  وتجدر الإشارة في الختام إلى أن الورقة العشرين "الفلسفة الإسلامية وحفظ التراث اليوناني"  للدكتور شبير أختار من جامعة أكسفورد لم يُقدّر لها أن تكتب وتشكل جزءا من هذا المشروع، وذلك لأن المنية اختطفته قبل أن ينهي ورقته البحثية.

***

التجاني بولعوالي

في المثقف اليوم