بأقلامهم (حول منجزه)
بهجت عباس: ماجد الغرباوي باحثاً وأديباً وصحفيّاً
يعرف قارئ (المثقف) أنّ الأستاذ ماجد الغرباوي باحث في الشؤون الدينية وداعي إصلاح وتطور وتسامح، ولكنّه لا يعرفه كاتباً وأديباً ذا أسلوب سلس رصين وجذّاب. فالأستاذ ماجد الغرباوي يتميّز بالكلام البسيط الحاذق المسبوك الذي يفهمه القارئ دون أن يتعثّر في فهمه إذا ما قرأه بجدّ وبصيرة. وهذا ما يتعلّق بأبحاثه الدينية والفلسفية والنقدية التي كثرت وفي مجالات عدّة لست أنا بصدد البحث فيها، فهي بحر عميق الغور. ولكنّي أركز على مقالة أو قـلْ، قصّة، بل ربّما هي إحدى الذكريات، وقد أعجبتني حقّاً، ليس لأنّ فيها الكثير من الحكمة والعبرة لمن أراد أن يعتبر، بل هي من صميم واقع حياتنا. فالأستاذ الغرباوي ليس باحثاً في تلك الشؤون وحسب، بل أديب وكاتب وحتي شاعراً قد يكون. سأذكر الآن أنموذجاً على ذلك، وهي (كذبة متوهّجة)
أهي قصة أم سرد أدبي خالص أم تبيان الواقع الذي يغيب عن الكثيرين من الناس البسطاء أم هي كلّها مجتمعة في ذاكرة ذلك الفتى الطموح (رعد) المتوهج عقيدة خلق بها ونشأ عليها دون إدراك حقيقتها والانجرار خلف من يدّعيها بأنّها الحياة التي يجب أن يعيشها ويحيا لها لإدراك الأمل المنشود الذي يرضي ربّه، فيأنس براحة نفسيّة طوبائية يسعد فيها البشر ويرضي ضميره. فلذا كان هذا الشاب المتّقد حيوية يجلس "قريباً من منبر الخطيب، يصغي اليه بروحه، يتابعُ حركاته، يتطلع الى حديثه بشغفٍ، تنهمر دموعه، وهو يسمع كلماته ترن في اذنَيّه، يحلق معه في عوالم غريبة." فغُرست في روحه بذرة التضحية ونمت، فتمنى أن يلحق برفاقه المناضلين في دربهم الميمون المحفوف بالحياة الصعبة من تسلّق جبال ونوم بين صخور ولا يهمهم الموت، أليس هذا هو النضال الذي كان يتمنّاه لينال حسن العاقبة والثواب! ولكنّ كاتب هذه السطور شكّك في أمرها منذ زمن ليس بقصير وقالها قبل ما يقرب من ثلاثين عاماً:
هل الطريق نضالُ؟
أم النضال ضلالُ؟
*
حقـيـقـةٌ أم خيـــالُ
نمـوتُ قبـل الأوان؟
ولذا كان (رعد) متحمّساً جدّاً للّحاق برفاقه المناضلين، وخصوصاً عندما حدّثه بعض أصدقائه "طويلا عن نوري جواد، ذلك الرمز الذي هجر الأهل والأحبة كي يلتحق برفاق دربه، ويواجه الموت بنفسه." أليس عمل هذا الأخير باتّخاذه ذلك القرار هو أسمى تضحية بالراحة والمال وبالنفس العزيزة (والجود بالنفس أقصى غاية الجود). لذا قرّر أن يلتحق برفاقه (المناضلين) رغبة في الكفاح، سواءٌ أرَضِيَ أبواه أم لم يرْضيا، هكذا قال لصديقه أحمد البصري الذي سهّل له مهمّة السفر في اليوم التالي. وفي ليلة السّفر كان يفكّر ويتخيل كيف سيلتقي بذلك الشخص (نوري جواد) أهو إنسان مثلنا أم ملاك يمشي على الأرض؟ "تصوره بهالة نورانية، واخرى تصوره يمشي والملائكة تحيط به من كل جانب. وثالثا تصوره، اشعث الراس، نحيلا، وجهه مكفهر من التعب، والسهر، وقساوة الطبيعة. تصوره بِعِدَّةِ السلاح، وملابس القتال، تصوره بمختلف الاشكال." وبعد مسيرة دامت عشرة أيّام في وديان قاحلة وجبال وعرة ملتوية ونوم على الأرض، وصلوا مدينة نائية بقوا فيها بضعة أيّام ليستريحوا ومن ثّمَّ سيواصلون سفرهم الميمون المبارك إلى مواقع الرفاق. ولكن المفاجأة جاءت بعد تطوافه في شوارع المدينة، عندما شاهد صاحبنا (رعد) بناية عالية، "تحيطها حدائق غناء، وتنيرها مصابيح الكهرباء بكثافة، اشار احمد الى رجلٍ واقفٍ هناك، يحمل ملازم كتبه بيده، ببدلةٍ انيقةٍ، قد بدت عليه ملامح الترف، فسأله رعد من هذا؟"
فكان جواب أحمد صاعقاً حين قال: إنّه نوري جواد يا رعد. فتقدّم رعد بخشوع وخشية للسلام عليه وأبدى إعجابه من صمود نوري جواد طيلة هذه الفترة:
"لا يا رعد انا عادة أأتي من الطرف الاخر بواسطة سيارة، ولا اكابد اي مشقة في الطريق." هكذا أجابه نوري جواد. وهنا سأله رعد بدهشة "وهل يعني انك لم تلتحق برفاق دربك؟" وقبل أن يسمع الجواب "لاحت لرعد لوحة كبيرة فوق البناية كتب عليها "قسم الدراسات العليا!!!"
هكذا يختتم الأستاذ ماجد الغرباوي هذه القصة الجميلة، أو الذكرى التي قد تكون واقعاً على الأغلب، بل هي من صلب الواقع على أية حال، حيث تصور ازدواجية غالبية (المناضلين) أجلّ تصوير، ونحن نراهم حقيقة على الأرض يتهادون ويمشون مرحاً! والنضال؟ والتضحية بالنفس؟ تجدها في ألف ليلة وليلة! وهم يُظهرون ما ليس يبطنون، ويتراءون للبسطاء بأنّ الكفاح ديدنهم مهما كانت التضحية للتخلص من الطغاة الحاكمين ولو كان الموت موردهم. ولكنّهم لا يضحّون بأنفسهم ولا بأقربائهم، بل يدفعون الآخرين للقيام بالمهمات الجسام وهم يراقبون. وبعد أن ينالوا مرامهم فالويل لمن يقف ضدّهم، فسيقلبون له ظهر المجِنّ!
قال شيخ لبغيٍّ أنت ذي سكرى، فسُحقا
كلَّ يومٍ لك غــاوٍ فــي أحابـيـلكِ مُلقى
فأجابت: أنا يا شيـخ كما تحكي وأشقى
فأجبني عنك هل أنت كما تظهر حقّـأ؟
***
عمر الخيام (ترجمة عبد الحق فاضل)
.............
Splittern
Dichter: Majid Al- Gharbawi
Übersetzer: Bahjat Abbas
***
Auf den Fuß der Wörter
Rollten Murmeln,
Echo
Flatterndes
Den Vogel entführt
Im Innere
Der rosigen Abenddämmerung
*
Stabil sind die Delirien
der Flöte.
Fallen
Trümmer deines Blutes.. bewässert die
Bauer des phönizischen Spiels.
Auf welchem Hafen wird Monalisa
Deine Holzstatue ankern?
*
Die Verführung lockt dich
als Vogel,
den das Meer als Phantom verlockt.
*
Rascheln deiner Flügel
lenkt Verleumdungssaiten ab.
*
Steige aus!
Reiz ist der Nachtspaß,
Er lullt die Lufts flüstern ein.
*
Der Morgenstern,
Vergossener Traum
Ködert des Regengelächters.
*
Dein Augenstrahlen
umarmt die Morgenrotwimpern,
Reduziert den Bereich.
*
Übelkeit der Buchstaben
Splitter
der blöden Gedichte
*
Der Stein ergießt sich überhaupt nicht,
Taub, stumm,
O Sie sehen nicht ein.
..................
.............................
شظايا / ماجد الغرباوي
على سَـفَـحِ الكلمات
تَدَحرجتْ همهماتٌ
صدى
خافق يخطف الطيرَ
في أحشاء الشفقِ الوردي
*
مُستَفَزَةٌ هذياناتُ الناي
تتهاوى
حطامُ دمك .. يروي بيادقَ اللعبةَ الفينيقية
بأيَّ مرفأ سَتُرسي موناليزا تمثالك الخشبي؟
*
تستهويك الغوايةُ
طائرا
يستدرجهُ البحرُ سرابا
*
حَفيفُ جَناحَيك
يُشاغلُ
أوتارَ الوشايةِ
*
ترجّلْ ....
ساحرةٌ دُعابَةُ الليل
تُهدهدُ همسات النسيم
*
نجمةُ الصباحِ
حلمٌ مسفوحٌ
يراودُ قهقهات المطر
*
شعاعُ عينيك
يعانق أهداب الفجر
يختزلُ المدى
*
غثيانُ الحروفِ
شظايا
قصائد بلهاء
*
لن يتفجّرَ الحجر
صمٌ، بكمٌ،
فهم لا يعقلون ...
........................
Nuggets
In English
1
Human culture subconsciously contributes to the renewal of awareness,
Cultural openness has become a necessity in order to extract it and reshape the mind, which became obsessive with violence until it became an integral part of ones culture and cognitive structure
2
Exaggeration obscures the truth
And the most dangerous is the sanctification of religious symbols.
3
Whenever you are freed from your dogmatic inheritances, the more the face of God is revealed, the more your heart increased purity and light
4
No one is above error, no matter how perfect he is.
People would not be angels and devils, if there were no religious zealotry.
Knowing the truth depends on your ability of being impartial and objective in criticism.
5
Every doctrine that fears criticism and finds nothing but violence to suppress its opponents should disappear.
6
Take from religion its principles and values
And leave to the cleric his wangling and tricks.
.................................
Nuggets
In German (Deutsch)
1
Die menschliche Kultur trägt unbewusst zur Erneuerung des Bewusstseins bei,
Kulturelle Offenheit ist zu Einem Notwendigkeit geworden, um ihn zu extrahieren, und den Geist umzuformen, der von Gewalt besessen war, bis er zu einem integralen Bestandteil der eigenen Kultur und kognitiven Struktur wurde
2
Übertreibung verdunkelt die Wahrheit.
Und am gefährlichsten ist die Heiligung religiöser Symbole.
3
Je Sie von Ihrem dogmatischen Erbe befreit werden, desto mehr sich das Antlitz Gottes offenbart, desto mehr Reinheit und Licht hat Ihr Herz.
4
Niemand steht über dem Fehler, egal wie perfekt er ist. Ohne den religiösen Fanatismus wären die Menschen keine Engel und Teufel.
Die Kenntnis der Wahrheit hängt von Ihrer Fähigkeit zur Unparteilichkeit und objektiven Kritik ab
5
Jede Doktrin, die Kritik fürchtet und nur Gewalt findet, um ihre Gegner zu unterdrücken, sollte verschwinden.
6
Nehmen Sie von der Religion ihre Prinzipien und Werte. Überlassen Sie dem Geistlichen seine Spielerein und Tricks.
***
شذرات
ماجد الغرباوي
1
الثقافة الإنسانية تساهم لا شعورياً في تجديد الوعي،
فالانفتاح الحضاري بات ضرورة لانتشاله وإعادة تشكيل العقل،
الذي أدمن العنف، حتى صار جزءا لا يتجزأ من ثقافته وبنيته المعرفية
2
المبالغة تحجب الحقيقة
وأخطرها تنزيه الرموز الدينية
3
.كلما تحررت من موروثاتك العقدية،
كلما انكشف وجه الله أكثر،
وزاد قلبك نقاء ونورا
4
لا أحد فوق الخطأ مهما كان مستوى كماله،
وليس الناس ملائكة وشياطين لولا التعصب الديني،
وتبقى معرفة الحقيقة رهن قدرتك على التجرّد والنقد بموضوعية
5
لترحل كل عقيدة تخشى النقد،
ولا تجد سوى العنف لقمع معارضيها
(6)
خذ من الدين مبادئه وقيمه
واترك لرجل الدين ألاعيبه وحيله.
***
د. بهجت عباس – أديب وكاتب ومترجم
..............
* مشاركة (3) في ملف تكريم ماجد الغرباوي، الذي بادر مجموعة من كتاب المثقف الأعزاء إلى إعداده وتحريره، لمناسبة بلوغه السبعين عاما، وسيصدر كتاب التكريم لاحقا بجميع المشاركات: (شهادات، مقالات، قراءات نقدية ودراسات في منجزه الفكري)..
- للاطلاع على قصة: كذبة متوهجة
https://www.almothaqaf.com/aqlam-7/966162
- للاطلاع على شذرات
https://www.almothaqaf.com/foundation/algharbawi-majed-nuggets