بأقلامهم (حول منجزه)
ماجد الغرباوي .. رجل الاصلاح والنهضة
ماجد الغرباوي مفكر عراقي، شأنه شأن أي مفكر، دائم البحث عن الحقيقة بدليل صحيح، لا يركن لقول واحد، ولا يتوقف عند رأي خاص مهما كان قائله.. يسعى لاكتشافها بمعزل عن الغيبيات خارج حدود القرآن الكريم. فالعقل وكتاب الله ركائز ومرجعيات اعتمدها الغرباوي في هذا الحوار الذي دارت أسئلته حول العقيدة الإسلامية عامة والعقيدة الشيعية خاصة، لأنها الأساس الموجه لسلوك الإنسان، وما معاناة المسلمين اليوم مع الفئات الدينية المنحرفة إلا بسبب عقائدهم وسوء فهمهم لغايات وأهداف الدين الحنيف فتسببوا في تشويه معالمه .
قد يعترض البعض أن كتب الحديث تشتمل على تفصيلات يحتاجها المسلم ولم يفصّلها الكتاب الكريم، فتكون الأحاديث وسنة الرسول مكملة للكتاب الكريم. وهذه وجهة نظر صحيحة إلى حد ما ولكنها ليست حاسمة، فوجود نص نبوي لم يَحُل دون وجود الاختلاف في مجال العقيدة. فكثرة التفسيرات القرآنية التي وردتنا عبر كتب التاريخ والحديث جاءت متناقضة، يغالط بعضها البعض وفيها الكثير من الغلو والغيبيات التي لا تطمئن لها النفس. من هنا نجد أن الحوار الذي اعتمدناه مع الأستاذ ماجد الغرباوي جاء وفقا لمعطيات قرآنية – عقلية لا تجافي الصحيح من الأحاديث والسنة الشريفة، بعيدا عن التعصب والغلو، خاصة بالنسبة لمعتقدات الطائفة الشيعية حول أئمة أهل البيت ودورهم الرسالي. لهذا نجده يدعو في هذا الحوار إلى حملة توعية كبرى تناقش من خلالها كافة المعتقدات الموروثة منذ مئات السنين لتنقيتها مماعلق بها من خرافة وأسطرة جاءت بسبب السباق الطائفي المحموم الذي شهدته القرون الماضية لاثبات أحقية أشخاص دون سواهم فأورثنا هذا الفعل كثيرا من المعتقدات الخاطئة التي أصبحت الآن جزءا لا يتجزأ من فهمنا للدين والعقيدة الاسلامية. وأنا هنا لا أبرأ عقائد أية طائفة، ولكني أحيي الأستاذ ماجد الغرباوي في جرأته وقدرته على عبور كل الخطوط الحمراء التي وضعها رجال الدين، حينما تجاوزها بوعي بعيدا عن التعصب، فكان يرحب وهو يحاور بأية وجهة نظر لكنه يؤكد دائما: لسنا ملزمين بقبول كل ما يعتقده الآخرون، أو بعضه. لقد طرح آراءه بوضوح وشفافية مستدلا عليها بالقرآن الكريم، مرجعنا جميعا، وتبقى مسؤوليتنا مناقشة كل ما طرحه الاستاذ الغرباوي مناقشة هادئة شفافة بعيدا عن التعصب الأعمى والإنفعالات الطائفية التي أورثتنا الدمار والقتل.
هكذا كان هذا الكتاب نهاية حوارنا الذي كنا قد بدأناه مع الأستاذ ماجد الغرباوي وهو المحور الثالث ضمن ثلاثة محاور، تم نشر المحورين الأول والثاني منهما ضمن كتابنا الأول: (رهانات السلطة في العراق .. حوار في أيديولوجيا التوظيف السياسي) الذي صدر عن دار أمل الجديدة -سوريا، والذي تناولنا فيه موضوعات الفكر القومي ورهانات السلطة في العراق. وخصصنا المحور الثالث، أي هذا الكتاب، لمناقشة قضايا عقائدية مهمة، منها: المخلّص في الديانات الحديثة، والمهدي المنتظر في الدين الاسلامي، والمرجعيات الدينية والتقليد، والخمس، والرجعة، ولذلك تقرر إصدارها في كتاب مستقل لأهميتها. وقد تناول الكتاب أيضا قضايا خلافية، حيث ناقشها الباحث والمفكر ماجد الغرباوي بموضوعية وحيادية استند فيها على التحليل العلمي والنصوص القرآنية بعيدا عن التعصب والانحياز. فحاكم جملة معتقدات يعتبرها الكثير منّا مسلمات لايرقى لها الشك. ودليله في ذلك كتاب الله والعقل وما صح من الأحاديث النبوية الشريفة .
لقد أجاب المفكر ماجد الغرباوي في هذا الحوار عن تساؤلات تمثل نبض الشارع الباحث عن الحقيقة وسط زحام الأفكار المتوارثة والأحاديث التي لم تعد مقنعة لجيل يعيش ثورة فكرية وعلمية وتكنلوجية كبيرة، وفي كل يوم يصطدم بالإرث واللامعقول الديني. للأسف الشديد رغم هذا التنوير لكن مازال بعضنا يتقمص دور شخصيات القرن الأول الهجري ويقتدي بهم صوريا ويقلدهم بعيدا عن جوهر عقيدتهم ودينهم ومستوى إيمانهم وفكرهم وعقائدهم التي يمكنه الارتكاز عليها. لكننا اضعنا الكثير بسبب التقليد الأعمى لرجل الدين.
لقد ناقش الباحث ماجد الغرباوي فكرة المخلّص في الديانات المأخوذة عن البوذية، وتناولها باسهاب مبيناً مضمونها. كما تطرق الحوار لقضية المهدي المنتظر عند المسلمين وتداعيات هذا المعتقد بين كونها فكرة تبعث على الأمل في تحقيق العدل الإلهي وبين كونها فكرة مثبطة للعزيمة. ومن هذا المنطلق تدرج الحديث إلى تاريخ المرجعية والمباني التي ارتكزت عليها مسألة التقليد.
لقد فتح الأستاذ ماجد الغرباوي الباب على مصراعيه في هذا الكتاب من خلال طروحاته الجريئة، التي قد تحدث هزة في الفكر الجمعي العقائدي للمسلمين عموما والشيعة منهم على وجه الخصوص، وستكون هناك ردود أفعال متباينة في قوتها واتجاهاتها ولكنها بالنتيجة ستصطدم بالعقل والمنطق بعد أن يدافع كل فريق عن طروحاته العقائدية بل وسيستميت البعض ممن تؤثر عليهم هذه الطروحات في نفيها واثبات الأفكار القديمة بنفس الأسلوب وليّ عنق الآيات لتتلائم مع طروحاتهم، ومايهمنا وجود حراك فكري وإشعال جذوة الحوار البنّاء للوقوف على الحقائق وإحداث حالة من التحرر الفكري الذي يجعل هذه المجتمعات المنغلقة تنظر إلى أفق جديد وإلى عالم آخذ بالازدهار وفق رؤى حديثة ومتطورة وتجعل من الإسلام دينا لحياة قابلة للتجدد واحتواء كل ماهو نافع للبشرية.
ماجد الغرباوي والاصلاح
هذا الحوار يقع ضمن المشروع الإصلاحي لماجد الغرباوي، وهو باحث متخصص في الدراسات الإسلامية، وأحد رجال الإصلاح الديني في العصر الحديث، من خلال كتبه وطروحاته الفكرية فيما يخص النهضة والتسامح الديني والثقافي، فطالما عالج موضوعات التخلّف الحضاري، العنف والإرهاب، الحركات الاسلامية ودورها السلبي في المجتمع، والعلاقة بين السياسة والدين. وأصدر سلسلة رواد الإصلاح للتعريف بمشاريعهم وأهدافهم الإصلاحية، ومدى تأثيرهم في النهضة الإسلامية.
ولم يقتصر الغرباوي على ما تقدم بل راح يدعو علانية الى إعادة فهم الدين وفقا لضرورات الزمان والمكان ومتطلبات العصر والمجتمع والإنسان، والاستفادة من معطيات العلم وتراكم التجربة البشرية، كما دعا بصوت مرتفع الى إعادة النظر في فعلية الأحكام الشرعية، ومدى صلاحيتها بعد انتفاء موضوعاتها، وحذر علنا من تزوير الوعي ومكائد رجال الدين، وتوظيف الدين لمكاسب سياسية وأخرى شخصية أو أيديولوجية.
***
ماجد الغرباوي مفكر وباحث، يسعى من خلال مشروعه الى: ترشيد الوعي بعد تحرير الخطاب الديني من سطوة التراث وتداعيات العقل التقليدي، عبر قراءة متجددة للنص الديني تقوم على النقد والمراجعة المستمرة، كشرط أساس لنهوض حضاري، يساهم في ترسيخ قيم الحرية والتسامح والعدالة، في إطار مجتمع مدني خالٍ من العنف والتنابذ والاحتراب.
وطالما أكد الغرباوي في تشخيصه لأسباب التخلف والسبل الكفيلة بالنهوض الحضاري: إن المشكلة الأساس وبالدرجة الأولى ثقافية، تتعلق ببنية العقل، والنظام المعرفي لشعوب المنطقة، لأنها القاعدة التي ترتكز اليها النهضة، أية نهضة كانت .
ويختلف ماجد الغرباوي في تشخيصه لأسباب التخلف وعوامل النهضة الحضارية، حيث راح يتوغل في العقل والثقافة باحثا عن كيفية تكوّن البنى المعرفية وما هي المفاهيم والمقولات المؤسسة لها، فكان وما زال يؤكد على نقد جميع الثوابت والقناعات واعادة تفكيك العقل وبنائه وفق قيم ومقولات حضارية، لهذا أكد كثيرا على فهم الدين كمكون أساس لشعوبنا، فاعتبر الفهم الخاطئ للدين أحد الأسباب الرئيسية وراء تخلّف المسلمين حضاريا. وبهذا امتاز عن غيره من رواد النهضة بقدرته على التشخيص والنقد الذي يغور في أعماق الثقافة والفكر، فما عادت الأسباب المطروحة من قبل الرواد الآخرين كافية لوجود نهضة حقيقية بل ما زال الوضع ذاته اذا لم يكن أسوء مع ظهور حركات التكفير الديني .
***
طارق الكناني، كربلاء – العراق
10 – 4- 2017م
........................
* مقدمة كتاب مدارات عقائدية ساخنة.. حوار في منحنيات الأسطرة واللامعقول الديني، ط2، 2017، مؤسسة المثقف، سيدني – أستراليا ودار أمل الجديدة، دمشق – سوريا.