بأقلامهم (حول منجزه)
جدلية الزمان والمكان في قصة: "قرار إرتجالي" للكاتب ماجد الغرباوي/ جلال جاف
بطل القصة هو الإنسان المنخرط في المكان و المنغلق فيه وعليه وهو "محميته" التي خلقت عنده أوهام التوازن، إنه يتوجه إلى وعيه بالمركزية والعزلة المركزة،:
"بعد ان قضى حياته داخل البيوت الرطبة، لا يتنقل الا في الظلام، او بين المقابر"
بمجرد مغادرته منظومة المكان والزمان الخاصة به يصبحُ في مهب ريح مكان اخر وزمان اخر أو عالم آخر:
"كان مرتبكا حد اللعنة، يتلفت .. منظر لم يألفه،"
استفزته الحيرة"
" كيف يواصل الطريق؟"
حيثُ الحقائق تختلف تماما والمكان مكان آخر والزمن زمن آخر على الرغم من وهم التشابه الظاهري:
"بماذا أختلف عن تلك المرأة،
او ذلك الرجل الطويل".
وحيث يحاول استخدام نفس وسائل اتصاله وتفاعله مع واقعه الخاص جدا في المكان الجديد:
"عندما قرر اجتياز المكان، أعدّ بغلته جيدا، سمح لها بتناول ما تبقى من طعام."
وعلى الرغم من محاولته تجديد الوسيلة ولكن هيهات لان وسائله مهما تنوعت هي نفسها وتعود لنفس (الزمكانية) المتحكمة فيه والتي سوف لن تسعفه:
"اتخذ قرارا مصيريا، استبدل بغلته بحصان، اختاره مطهما، ضمن لنفسه سرعة السير، سألحق بتلك العربة البيضاء،"
هنا يحدث تصادم (الازمنة والامكنة) المختلفة والمتناقضة وتتجلى حالة الصدمة:
"ما كاد يرمقها ببصره، حتى مرت ثانية سوداء.. توالت بالوانها واحجامها المذهلة تلك العربات الخبيثة،"
"كان مرتبكا حد اللعنة، يتلفت .. منظر لم يألفه،"
"تسمّر في نهاية الطريق،"
أن التساؤل ينبعث من كل الأشياء عندما تتجمع التناقضات بما فيها ذهن بطل القصة الذي يخيل الى القارئ أول وهلة ان الصدمة المتولدة من التقاء (زمكانين) مختلفين ستولد حالة تطورية ارتقائية تبعا لنظرية "التحدي والاستجابة" التي هي اساس التطور الحضاري حسب" توينبي":
"كلهم متشابهون، مثلي تماما، لا أجد فرقا بيننا،
اذن لماذا اراوح في مكاني.
بدأ يراجع أفكاره، يتفحصها"
" قال: أول الطريق ان أتخلى عن دابتي كي ألحق بركب الشارع الجديد،"
لكن الصدمة هي العودة الى نقطة الصفر:
"ولما خطى مسرعا، اعاده رباطها الملفوف على رأسه الى حيث كان يعيش":
اذ لم يستطع البطل الاستجابة الملائمة للتحدي؛ فالمنظومة الفكرية التي ركبت رأسه المعتق في زمن سابق ومكان آخر غير قادرة على الاستجابة لزمن جديد ومكان جديد.
ويطبق المؤرخ البريطاني (توينبي) هذا القانون على قيام الحضارات؛ فظروف التحدي هي التي تدفع البشر للانخراط في مغامرة بناء الحضارة، ولكن فضائل المشقة يجب أن تؤدي دفعها ضمن الوسيلة المناسبة التي تجعل من بعض المبتلين ب"الجمود" ايا كان "نوعه" رموزاً لصدمة تاريخية تحجرية لا أمل في حلحلتها زمنيا طالما كانت المنظومة الفكرية والوسيلية مؤطرة بزمن ومكان خارجين عن المعاصرة .
يبقى نص الكاتب الكبير ماجد الغرباوي نصا جدليا بامتياز لما يحمله من المساس الحي بالتطور الفكري للانسان وجدليته حضاريا.انه نص يتجلى فيه "الوجود والعدم" بامتياز كواقع انساني وفلسفة .
***
جلال جاف
.......................
قرار ارتجالي / ماجد الغرباوي
عندما قرر اجتياز المكان، أعدّ بغلته جيدا، سمح لها بتناول ما تبقى من طعام.
خطى خطوته الاولى، فاجأه المكان .. طرقات مكتظة، مصابيح تتلألأ، عربات مسرعة، كاد ان يلحق بالأولى، عثرت بغلته، أوشكت أن تسقطه ارضا.
عاد ثانية الى داره، أسرف في زينتها، في تنوع غذائها، غامر من جديد، كاد ان يختطفه قطار المسافات الطويلة، استفزته الحيرة.
فقد صوابه
اتخذ قرارا مصيريا، استبدل بغلته بحصان، اختاره مطهما، ضمن لنفسه سرعة السير، سألحق بتلك العربة البيضاء، ما كاد يرمقها ببصره، حتى مرت ثانية سوداء.. توالت بالوانها واحجامها المذهلة تلك العربات الخبيثة،
كان مرتبكا حد اللعنة، يتلفت .. منظر لم يألفه، بعد ان قضى حياته داخل البيوت الرطبة، لا يتنقل الا في الظلام، او بين المقابر.
كيف يواصل الطريق؟
ظل يتمتم، يقارن نفسه بمن حوله
بماذا أختلف عن تلك المرأة،
او ذلك الرجل الطويل.
تفحص المارة، واحدا تلو الاخر، تسمّر في نهاية الطريق، كلهم متشابهون، مثلي تماما، لا أجد فرقا بيننا،
اذن لماذا اراوح في مكاني.
بدأ يراجع أفكاره، يتفحصها
اتخذ قرارا آخر
قال: أول الطريق ان أتخلى عن دابتي كي ألحق بركب الشارع الجديد، ولما خطى مسرعا، اعاده رباطها الملفوف على رأسه الى حيث كان يعيش
........؟؟؟؟؟؟
!!!!!!