بأقلامهم (حول منجزه)
النص القصصي الحديث بين التغريب والتقليد.. قراءة على هامش نص الأستاذ ماجد الغرباوي: حافات قلقة
من السهل الادلاء بشهادة نقدية بسيطة كالقول .. ان هذا النص رائع .. وذاك النص عميق .. فهذا الحكم وصفي بحت وليس فيه اية رؤية للتقويم.. ان وظيفة الناقد الحقيقية هي كوظيفة الدليل السياحي .. لابد ان يكون الدليل على دراية بكل المثابات التي توصله الى اكثر الاماكن المثيرة للإبهار. فالقاريء العابر قد لايلتفت الى مطبات النص ومناطقه الممتعة والمخيفة معا. دون الاستعانة بدليل حاذق يرشده الى تلك المناطق ..
والنص الحديث قد يحمل إنزياحات مركبة. ودلالات وإحالات متنوعة .. ولكي تصل كلها الى المتلقي .. لابد لها من كاشف مستكشف .. حاذق ونبيل. لا لكي يصحح مسارات الكاتب كما هو شائع او الاقتصار على الإشادة او الذم .. او المدح او القدح .. . بل للأخذ بيد المتلقي لاستكشاف الجديد والمثمر معا.إن كان في الأساليب السردية او المضامين الفكرية ..
يثير نص الاستاذ ماجد الغرباوي مسألة قلما يجري الالتفات اليها من قبل كتاب القصة القصيرة الباحثين عن الجدة والابتكار. فتراهم يلوذون أحيانا بالغموض والتغريب حتى يستعصي فك ترميزات نصوصهم على كبار النقاد. ناهيك عن القاريء العابر .. وترى فئة غيرهم ما زالت تراوح في مضمار السرد التقليدي الذي تجاوزه كبار كتاب فن القصة في العالم ..
نص الاستاذ ماجد واقولها بدون مجاملة .. حاول ان يضرب المثال لعبور هذه الاشكالية في طرائق السرد .. فلم يركن الى الاسلوب التقليدي التعليمي الذي تجاوزه الزمن. ورغم حمولة النص باكثر من قيمة اخلاقية. لم ينسحب الى مطب الوعظ الاخلاقي الصريح والذي تحفل به بعض النصوص فيخرجها من دائرة الفن الى دائرة الكلام السائد .. وهو بالمقابل . لم يقع تحت إغراءات التغريب الغامض العويص. ولم يجعل تأويلات نصه ممتنعة .. عصية ..
أن جهدا نقديا بسيطا يمكن له ان يستكشف رسالة النص .. إن في المضمون. أو السرد .. .يمكن لما يسميه الناقد درايدن .. شهامة النقد .. (نقد الظاهرة) لا نقد النص او (شخوص النص ..) الأستاذ ماجد هنا .. لم يفكر بإدانة بطلة نصه سعاد. رغم الصورة التراجكوميدي التي رسمها لها .. بل هو يضرب في عمق الظاهرة التي افرزت وتفرز عشرات الابطال السلبيين مثل سعاد. ظاهرة تحشيد الاتباع وإن بالمكر والخيانة والدسيسة والايقاع بالآخر .. كذلك نقد ظاهرة صناعة الاصنام في المؤسسة السياسية و الدينية والاجتماعية .. فهناك الاف الاشباه الذين يصنعون ما صنعته سعاد من خلال الزيف والتزييف لتوكيد سطوتهم. وتأثيث خرابنا ..
قد تكون سعاد موهوبة وقد تستحق جائزة ما. وقد يكون المجتمع قد فرط بتقييمها .. لكن اساليبها اللاحقة. قد تتحول الى وبال عليها .. قبل ان تكون وبالا على غيرها. عندها سيغادرها حتى هؤلاء الأتباع الذين انتفعوا مؤقتا من هداياها وإغراءها .. .
النص وفق رؤيتي .. ابعد ما يكون عن الشخصنة. بل هو يعالج ظاهرة. اجتماعية سياسية .. موغلة في العمق تخومها .. .
***
سلام كاظم فرج - أديب وناقد