أقلام حرة
هل يدعو تصالح السعودية وإيران إلى التفاؤل؟
لا شك ان مجرد التشكيك بالفرح الذي غمر المنطقة لتصالح السعودية وايران، سيبدو غريبا وناشزا، ومخالفا بشكل شديد لـ "تسونامي" التحليلات والبيانات وكل ما قيل حول الموضوع، والتي تكاد تخلو من أية إشارة الى سبب للتشكيك والقلق.
وهذه البيانات لا تقتصر على بيانات حكومية لدول تابعة مثل مصر والعراق، انما أيضا لدول كبرى كالصين التي رعت الاتفاق ودول أوروبية، وكذلك شمل التفاؤل ثوار اليمن والمقاومة اللبنانية، وان كان والحق يقال، بحماس اقل بكثير من الآخرين وحذر أكبر بكثير.
ومن ناحية أخرى فأن مراكز سياسية ووسائل الإعلام المعادية لمحور المقاومة أكدت تشاؤمها من تأثير الاتفاق على إسرائيل، وشمل هذا تصريحات مسؤولين إسرائيليين وصحف أمريكية كبرى.
إن الكتابة ضد هذا السيل الجارف، يبدو جنونا، ورغم ذلك، المنطق يفرض نفسه! فهذا التفاؤل قام على دفن مجموعة من الحقائق الصلبة وهي على قيد الحياة، وبالتالي فهناك خطأ! وبغض النظر عن المشاركين في هذا الدفن، فأنا لا انوي المشاركة بهذه الجريمة، بل أطرح رأيي، ورأيي أن هناك امر غير طبيعي، ولذلك فالتفاؤل بما يجري غير سليم!
لكن كيف نميز ان كان الأمر المطروح "طبيعي" ام غير طبيعي؟
يكون السيناريو او التفسير "طبيعيا" وقابلا للتصديق حين لا يناقض اية حقائق ثابتة. وهذا لا يتوفر في "التفاهم" المفاجئ بين إيران والسعودية وبالطريقة التي يطرح بها إعلاميا.
فحين يتفق قطبان متنافران، فهو يعني أن تنافرهما قد زال او قل الى حد كبير، وأن كل منهما قد تخلى عن (بعض) مواقفه التي كانت تزعج الآخر مقابل أن يفعل الآخر الشيء نفسه، ليلتقيا في منطقة ما بين موقفيهما السابقين. فما الذي يمكن للسعودية ان تتنازل عنه، وما الذي يمكن لإيران ان تتنازل عنه؟
بالنسبة للسعوديين، الأمر سهل جدا من ناحية، وصعب الى درجة المستحيل من الناحية الأخرى. سهل، لأن ما يضايقون به إيران من مواقف، ليس له اية علاقة بمصالحهم القومية، وبالتالي فالتنازل عنها "لا يكلفهم شيء". وهو صعب لدرجة المستحيل لأن السعودية "لا تستطيع" تقديم تلك التنازلات بنفسها، فهي ليست مخيرة بذلك بل هي دولة تسيرها اميركا الى درجة شبه كاملة، بل أن اتجاها معينا في اميركا هو الذي يسيرها وهو الحزب الجمهوري – واللوبي الإسرائيلي في اميركا.
وهنا قد يخطر في البال ما اشيع حول استقلالية السعودية في موضوع النفط واوبك، وجوابي اني لا اعتقد ان ذلك قد تم بسبب سيادة سعودية مفاجئة على ثرواتها، وكتبت مقالة تفصيلية في الموضوع.
أما إيران فلا تملك ما تتنازل عنه سوى مبادئها ودعمها للمقاومة وبرامجها العسكرية والاقتصادية المستقلة، والحكومة تقول انها لا يمكن ان تتنازل عن أي من هذه النقاط. وهذا مفهوم، إنما السؤال هنا: مقابل ماذا سيقدم السعوديون تنازلاتهم (إن تمكنوا من ذلك)، او لماذا يقبل الامريكيون الذين يمسكونهم بتقديم تلك التنازلات؟
إن التصور بأن هذا الاتفاق قد تم بالفعل وكما تم طرحه وأنه سينفذ بالفعل، يعتمد على تفكير- امنيات لا أساس له، بأنه أما 1- ان السعودية امتلكت سلطتها على نفسها فجأة وتخلصت من الضغط الأمريكي، أو 2- أن الأمريكان قرروا السماح للأمور ان تجري في الشرق الأوسط بما يدمر سلطتهم عليه، وبدون أن يحركوا ساكنا لمنعه!
إن تصديق أي من الاحتمالين يحتاج الى سذاجة غير طبيعية!
لذلك، فالاحتمالات الواقعية هي أما أن هناك اختراقا في فريق التفاوض الإيراني جعله يقدم تنازلات غير معلنة، وبما يكفي لتفسير مثل هذا الاتفاق، أو ان السعوديين (الأمريكان) قدموا مشروعا كاذبا للتصالح لغرض شرير، وأحاطوه بهذه الهالة الإعلامية الشديدة القوة ودعموه بتنازلات مؤقتة وقوية تكفي لإقناع إيران والصين وغيرها بأن هناك جدية في الأمر.
في كلتا الحالتين المعقولتين: (تنازل إيراني أو اتفاق مخادع من اميركا) فالأمر لا يدعو الى التفاؤل. والحقيقة ان مثل هذه الخدع الكبيرة وعلى المستوى الدولي، ليست غريبة. فقبيل اشعال التظاهرات المدمرة في سوريا، اعادت اميركا علاقاتها مع دمشق واعادت فتح سفارتها، وكذلك طور اردوغان علاقته بسوريا بشكل لم يسبق له مثيل. وبالطبع فأن هاتين الحركتان تم استغلالها بشكل كبير لإنزال الدمار الذي حصل، بسوريا. وكمثال آخر من الفترة الحالية، نذكر اتفاق مينسك حول أوكرانيا، والذي اعترفت ميركل أنه كان فقط لغرض إعطاء الناتو الوقت لتسليح الجيش الأوكراني، وكانت النتيجة أيضا خسائر اكبر بكثير في روسيا، التي لعلها كانت أيضا متفائلة بذلك الاتفاق في وقته.
***
صائب خليل